إذن: أنا ضاربُ زيدٍ الآن، ضاربُ زيدٍ هذا ثلاث كلمات: ضارب وهي العامل، والضمير المستتر .. ضمير الوصف، وزيدٍ هذا مفعول به، حينئذٍ إضافتُك (ضارب) إلى (زيد) قُصِد بها التخفيف، وأما في المعنى فالاتصال لفظي بين المضاف والمضاف إليه، وأما في الحقيقة وفي المعنى فليس بينهما اتصال، ولذلك عندَ النحاة أن هذه الإضافة على نيّة الانفصال، يعني: انفصال المضاف عن المضاف إليه بالضمير المستتر، والضمير المستتر هو فاعل، حينئذٍ: أنا ضاربُ زيدٍ نقول: هذه ثلاث كلمات، في اللفظ هما كلمتان، وأما في المعنى والحقيقة، فـ (زيدٍ) هذا مُنفصِل عن ضارب بالفاعل؛ لأنه مفعول به، والمفعول لا يتصل بعامله، وإنما الذي يتصل بالعامل هو الفاعل، والأصل: أنا ضاربٌ زيداً هذا الأصل فيه، رتبة العامل ضاربٌ، ثم الفاعل وهو ضمير مستتر، ثم زيداً، أردتَ التخفيفَ في اللفظ فأضفتَ العامل إلى معموله الملفوظ به، فقلت: (أنا ضاربُ زيدٍ) ويبقى الفاعل كما هو، إذن: زيدٌ مفصول عن ضارب في الحقيقة، ولذلك قالَ النحاة: إنها في تقدير الانفصال، فليست مُتصلة في الحقيقة، ولذلك لما لم تُفِد هذه الإضافة تعريفاً ولا تنكيراً إذا أُضيفت إلى المعرفة يوصف بها النكرة، ولذلك جاء في قوله تعالى: ((هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ)) [المائدة:95]، بالغ: اسم فاعل، والكعبة: مفعول به، بالغاً الكعبةَ، مثل: أنا ضاربٌ زيداً، بالغاً الكعبة.

إذن: بالغاً هذا في الأصل وَصلٌ، فلما أُضيف إضافة لفظية إلى ما بعدَه، وهو المفعول وهو الكعبة، حينئذٍ لم يكتسب المضاف من لفظ الكعبة التعريف، وإن كان هو في اللفظ نكرة، بالغ: نكرة، والكعبة هذا علم، حينئذٍ أُضيف إلى علم، والأصل فيه أنه يكتسب التعريف، لكن لم يكتسب التعريف، لماذا؟ لأن الإضافة هنا على نيّة الانفصال، فهو في الحقيقة لم يُضَف إليه؛ لأنه مُنفصِل عنه بالفاعل، فلذلك صحَّ أن يُوصَف به بالنكرة، هدياً: هذا نكرة، قال: ((بَالِغَ الْكَعْبَةِ)) [المائدة:95]، وجاء: ((ثَانِيَ عِطْفِهِ)) [الحج:9]، ثاني: اسم فاعل، مضاف إلى عطفه، منصوب على الحالية، والحال لا يكون إلا نكرة، فدلَّ على أن ((ثَانِيَ عِطْفِهِ)) [الحج:9]، عطفه هنا أُضيفَ إلى الضمير، فهو معرفة، وأما ثاني أُضيف إلى معرفة، لكنه لم يَكتسب التعريف، ولذلك قالَ النحاة: ولذلك وُصِف به النكرة في قوله: ((هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ)) [المائدة:95]، ووقعت حالاً، في قوله: ((ثَانِيَ عِطْفِهِ)) [الحج:9]، ودخلَ عليها ربّ، وربّ لا تدخلُ إلا على النكرات، ودلَّ على ذلك كلام الناظم .. أرادَ أن يُدلّل على أن هذه الإضافة لا تُفيدُ تعريفاً، مثل باسم فاعل، وما عُطِف عليه على أنه نَعتٌ .. مثَّلَ بدخول ربّ عليه، وربّ لا تدخل إلا على النكرة، ودخلَ عليها ربّ في قوله:

يا رُبَّ غَابِطِنَا لَو كَانَ يَطْلُبُكُم

غَابِطِنَا: غابِط اسم فاعل دخلت عليه رُبّ، أُضيف إلى الضمير (نا)، وهو معرفة من أعرفِ المعارف، هل اكتسبَ التعريف؟ نقول: لا، ما الدليل؟ قد يقولُ قائل: يحتمل أنه اكتسبَ التعريف، ما الدليل؟ نقول: الدليل دخولُ رب عليه، وثبتَ بالاستقراء أن رُبّ لا تدخل إلا على النكرة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015