وَاسْمٌ وَفِعْلٌ ثُمَّ حَرْفٌ .. علم من هذا التركيب أن الحرف سوى الاسم والفعل، صحيح؟ إذاً: سواهما الحرف .. يعني: سوى الاسم والفعل بهذا التقدير نقول فيه نظر، ليس بصحيح، لماذا؟ لأنه لا فائدة فيه، وإنما يكون تكراراً مع ما سبق؛ لأن سوى الاسم والفعل معلوم من قوله: واسم وفعل ثم حرف، ولا شك أن الاسم سوى الفعل، وأن الفعل سوى الاسم، يعني: غيره؛ لأن سوى بمعنى: غير، وكذلك الحرف سوى الاسم والفعل.
لكن المراد هنا سواهما الحرف، أي: سوى قابلي العلامات، لا بد من التقدير، سوى قابلي العلامات التسع المذكورة؛ لأنه ذكر خمساً للاسم وأربعاً للفعل فهي تسعة، ما لا يقبل علامات الاسم ولا علامات الفعل –الحرف-، هذا مراد المصنف، هو يريد أن يبين ماذا؟ هل أراد أن يبين أن الحرف قسم للاسم والفعل، أم ما يميز لنا الحرف عن غيره؟ الثاني، وإذا فسرنا سواهما: سوى الفعل والاسم حينئذٍ رجعنا إلى الأصل، وهذا نقول: فاسد؛ لأن تميز الحرف عن الاسم والفعل بذاته هذا معلوم مما سبق، وإنما المراد هنا: ذكر علامة تميزه عن غيره.
فقال: علامة الحرف عدمية، هذا مراده، سوى، يعني: غير، قابلي علامات الاسم والفعل التسع المذكورة فهو الحرف، فما مر بك من لفظ ولا تدري هل هو اسم أو فعل أو حرف أدخل عليه علامات الاسم، فإن قبلها أو قبل واحداً منها فاحكم باسميته، فإن لم يقبل شيئاً من علامات الأسماء تأتي إلى المرتبة الثانية: تدخل عليه شيئاً من علامات الفعل، فإن لم يقبل شيئاً من علامات الفعل فاحكم عليه بأنه حرف، لماذا؟ لأن القسمة ثلاثية حصر لا رابع لها، إذا انتفى كونه اسماً وانتفى كونه فعلاً تعين الثالث، وهو أنه حرف، ولذلك نقول هنا: العلامة عدمية، لكنها ليست عدماً مطلقاً بل عدماً مقيداً، يعني: ما لم يقبل علامة الاسم ولا علامة الفعل.
العدم المطلق لو أحلناه على شيء مجهول غير معروف، قلنا: لا يقبل علامةً، علامة ماذا؟ هذا عدم مطلق، لا يصح أن يكون علامةً على الحرف؛ لأن الحرف موجود، والعدم كاسمه عدم ليس بشيء، فكيف يجعل العدم الذي ليس بشيء علامةً على وجود الحرف؟ نقول: هذا في العدم المطلق، أما في العدم المقيد بانتفاء علامات الاسم أو علامات الفعل فهو وارد ولا إشكال فيه.
ولذلك قال الحريري هناك:
والحرفُ ما ليستْ لهُ عَلامَهْ ... فَقِسْ على قَولي تَكُنْ عَلامَهْ
الحرف ما ليست له علامة وجودية، لا بد من التقدير، ليس المراد ما ليس له علامة؟ لا، له علامة لكنها علامة عدمية مقيدة، واضح هذا؟ إذاً: سواهما الحرف .. سواهما، أي: سوى قابلي العلامات التسع المذكورة الحرف، ما إعراب سواهما الحرف؟ مبتدأ وخبر، سوى: معرفة أو نكرة، والحرف: معرفة أو نكرة؟ سواهما على قولكم معرفة، والحرف معرفة، وحينئذٍ يجوز الوجهان.
إذا كان كل منهما معرفة، نقول: يجوز الوجهان، لكن الأولى أن يجعل الحرف مبتدءاً، وسواهما: خبراً مقدماً؛ لأن الذي تحدث عنه ويتكلم عنه هو الحرف، فإذا كان كذلك فهو المحكوم عليه، وهو أولى.