وَمُذْ وَمُنْذُ: يُستعمَلان اسمين وحرفين، وَمُذْ: بضمّ الميم، وَمُنْذُ: بضمّ الميم، وكُسِر ميمُها لغة، يعني يقال: مُذ ومِذ، ومُنذُ ومِنذُ وهو لغة فيها، قيل: أصل مُذ مُنذ، بدليل رجوعهم إلى ضمّ الذال عندَ ملاقاة الساكن، مُذْ بإسكان الذال، إذا التقى ساكنان الأصل أن يتحرك بالكسر، لكن هم يقولون: مُذُ اليوم، لم حُرِّكَ بالضم ولم يَرجع إلى الأصل؟ دلَّ على أن (مُذ) أصلها منذُ، ولذلك قيل: لو سُمّيَ علم رجل بـ (مُذ) فصغّرتَه، تقول: (مُنيذٌ)، مِن أين جاءت النون؟ التصغير يردّ الأشياء إلى أصولها، حينئذٍ قالوا: مُذ هذه ليست أصلاً، بل هي فرع، وأصلها مُنذُ، بدليل ضمّ الذال عند ملاقاة الساكن، مُذُ اليوم، ولولا أنّ الأصل الضمّ لكسروا، ولأن بعضهم يقول: مُذُ زَمنٍ طويل، يعني: سُمِع فيها بضم الذال مُذُ، فدلَّ على أنهم قد يضمّوا الذال مع عدم الساكن، وقيل: هما أصلان؛ كلٌّ منهما أصل بذاته؛ لأنه لا يُتصرّف في الحرف وشبهه، وقيل: إذا كان مُذْ اسماً فأصلها مُنذُ، أو حرفاً فهي أصل.
وَمُذْ وَمُنْذُ اسْمَانِ: يعني: هما اسمان متى؟ حَيْثُ رَفَعَا أَوْ أُوْلِيَا الفِعْلَ: إذا رَفعا ما بعدَهما فاحكم عليهما بكونهما اسمين، هذا الموضع الأول، أو جاءَ بعدَهما فعل فاحكم عليهما بكونهما اسمين.
إذن: في هذين الموضعين: مذْ ومنذُ اسمان.
أَوْ أُوْلِيَا الفِعْلَ: أُوْلِيَا هذا مُغيّر الصيغة، والألف نائبُ فاعل، والفعل هذا مفعوله الأول؛ لأنه يتعدّى إلى اثنين، أُوْلِيَ الفِعْلَ، في بعض النسخ: أو وَليَ الفعل.
كَجئتُ مُذْ دَعَا: هذا فعل مع فاعله، وهو الغالب، أو المبتدأ مع خبره: جئتُ منذُ زيدٌ عندك، الغالبُ فيه أن يكون ما بعدَه فعل، يعني: جملة فعلية، وقد يكون جملة اسمية، جئتُ منذُ زيدٌ عندك، فالأول الذي أشارَ إليه بقوله: (اسْمَانِ حَيْثُ رَفَعَا) رفعا اسماً مُفرداً، هذا التقييد، حينئذٍ رفعا، متى يرفعان؟ هذا يدلُّ على أنهما مبتدءان؛ لأن الذي يرفعُ هو المبتدأ، فحينئذٍ على رأي ابن مالك لا يُعرَب (مُذ ومُنذ) إذا وقعا اسمين مفردين إلا مبتدأً، وما بعده يكون خبراً.
إذن: فالأوّل نحو "ما رأيته مذ يومان"، جاء ما بعدَهما اسم مفرد، وَمُذْ وَمُنْذُ اسْمَانِ حَيْثُ رَفَعَا، مُذ يومان، يومان هذا مرفوع، إذن: مُذ هذا في محلِّ رفع مبتدأ ويومان خبر على ظاهر كلام ابن مالك.