كذلك جازَ هنا، فالمبتدأ هناك واحد، والأخبار مُتعدّدة، كذلك قد يكون المنعوتُ واحداً والنعوت متعددة. إذن لشبهِ الحال بالخبر والنعت جازَ أن تتعدّدَ الحال وصاحبها يكون مُفرداً؛ لأن الحال شبيهةٌ بالخبر، والخبر يتعدّدُ؛ لأنه محكوم بها على صاحبها. الخبر يتعدد لأنه محكوم بها على صاحبها، كالحكم بالخبر على المبتدأ، فلذلك قولك: "جاء زيد راكباً" هذا في قوة قولك: "زيد راكب"، يعني: المعنى الدقيق الذي يكون فارقاً بينهما، لا يُؤثِّر في أصل الجملة، الإخبار موجود جاء زيد راكباً، أنتَ أخبرت بمجيء زيد بكونه راكباً، وإذا قلت: زيدٌ راكبٌ، كذلك حصلَ، وإن كان في الحال زيادةُ قيد، حينئذٍ وفَّت هذه الجملة زيد راكباً بما وَفّت به الجملة السابقة، وكذلك شبيهة بالنعت من حيث اتصاف صاحبها بصفةٍ خاصّة والنعت يتعدّد، فالحال شبيهة به فكذلك التاء تتعدد.
إذن الحال لشبهها بالخبر والنعت قد يجيءُ. قَدْ تحقيق أو تقليل؟ الظاهر أنه تحقيقُ وليس للتقليل؛ لأنه كثير، حينئذٍ تحقيق المراد أن هذا الحكم محقّق ثابتٌ. قَدْ يَجِيءُ قد للتحقيق، يَجِيءُ أي الحال، ضمير مستتر يعودُ على الحال. ذَا تَعَدُّدِ يعني: صاحب تعدد، فتقول: جاءَ زيدٌ راكباً ضاحكاً، جاء: فعل ماضي، زيد: فاعل، ضاحكاً: حال من زيد، راكباً: حال بعد حال.
ويُشترَط في تعدّد الحال للمفرد أن لا يُفصَل بينهما بعاطف، فإن فُصِل بينهما بعاطف حينئذٍ صارت الحال مُفردة، لو قال: جاءَ زيدٌ ضاحكاً وراكباً, وراكباً الواو حرفُ عطف، وراكباً معطوفاً على المنصوب، والمعطوف على المنصوب منصوب؛ لأنه لا نقول إنه حال في الإعراب، وإن كان في المعنى حال لكنه في الإعراب لا نقول: حال.
إذن يُشترَط في تعدّد الحال لمفردٍ أن لا يُعطَف بينهما بحرف العطف.
ذَا تَعَدُّدِ قد يكون التعدّد جائزاً وقد يكون واجباً، والوجوب في موضعين اثنينِ لا ثالث لهما عند النحاة، وجوباً بعد (إما) وبعدَ (لا)، بعد (إما) نحو ((إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً)) , شَاكِراً وكَفُوراً: حالان، تعدّدُهما واجب؛ لوقوعهما بعد (إما)، كذلك بعد (لا) مثل "جاء زيد لا خائفاً ولا آسفاً"، نقول: خائفاً وآسفاً: حالان تعددتا لصاحب حال واحد وهو زيد. وما حكم التعدد؟ نقول: واجبٌ. ما عدا هذين الموضعين فهو جائز.
قَدْ يَجِيءُ ذَا تَعَدُّدِ جوازاً ووجوباً، والوجوبُ في مَوضعين، وما عداه يعتبر جائزاً.