إِنْ لَمْ يَتَأَخَّرْ أَوْ يُخَصَّصْ أَوْ يَبِنْ: هنا طبعاً على تكرير العامل، إِنْ لَمْ يَتَأَخَّرْ أَوْ يُخَصَّصْ يعني، يُوصف أو يُضَف، أَوْ لم يَبِنْ، يَبِنْ يعني يظهر الحال واقعاً، مِنْ بَعْدِ نَفْيٍ: مِنْ بَعْدِ هذا مُتعلّق بقوله: يَبِنْ، يعني: يظهر ويبين، مِنْ بَعْدِ نَفْيٍ أَوْ مُضَاهِيهِ أي مُشابهه، وهذا يدخلُ تحته صورتان: الاستفهام والنهي، وحينئذٍ على التفصيل هذه ستُّ مسوّغات؛ لأنه دخلَ تحت التخصيص صورتان، ودخلَ تحت مضاهيه صورتان، فالمجموعُ ست، وإذا نظرنا إلى العموم فهيا أربع. مِن المسوّغات أن تقعَ النكرة بعد نفي أو شبهه، وشبه النفي هو الاستفهام والنهي، وهو المراد بقوله: أَوْ يَبِنْ مِنْ بَعْدِ نَفْيٍ.

مَا حُمَّ مِنْ مَوتٍ حِمًَى وَاقِيَا ... وَلاَ تَرَى مِن أَحَدٍ بَاقِيَا

مَا: نافية، حُمَّ: هذا مغير الصيغة، مِنْ مَوتٍ حِمًَى وَاقِيَا، وَاقِيَا: حال، صاحب الحال حِمًَى، حِمًَى هذا نكرة، ما المسوّغ لمجيء الحال من النكرة؟ وقوعُها في سياق النفي؛ لأن النكرة في سياق النفي تعمّ، وإذا عمّت صارت من جهة المعنى معرفة، نعم معرفة؛ من جهة المعنى صارت معرفة؛ لأنه يعمّ كل شخص يصدقُ عليه هذا اللفظ وهو داخل، ولذلك نقول: هنا العموم استغراقي، بمعنى أنه يستغرق كل الأفراد، لا يخرج عنه فردٌ من الأفراد، حينئذٍ صارَ عاماً من جهة المعنى، صار معرفةً من جهة المعنى. إذن حِمًَى نقول: صاحبُ الحال نكرة؛ سَوّغَ مجيئه نكرة كونه في سياق النفي، وَلاَ تَرَى مِن أَحَدٍ بَاقِيَا، بَاقِيَا كذلك حال، وصاحبُ الحال (أَحَدٍ) وهو نكرة، حينئذٍ نقول: سوّغَ مجيء صاحب الحال نكرة لكونه في سياق النفي، (وَلاَ) الواو حرف عطف، (لا) هذه زائدة للتأكيد، ترى إن جعلناها بصريّة حينئذٍ صحَّ التمثيل، وتكون باقياً هذا حال، و (مِن أَحَدٍ) أَحَدٍ هذا يكون صاحب الحال، وإذا جعلناها علميّة حينئذٍ صارَ (بَاقِياً) هذا مفعولاً ثانياً، ليسَ فيها شاهد، إنما الشاهد يكون في الطرف الأول.

ومنه قوله تعالى: "وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ"، " إِلَّا لَهَا مُنذِرُونَ"، هناك الشاهد أوضح ((إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ)) كتابٌ معلومٌ لها، لَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ، لَهَا خبر مُقدّم، وكِتَابٌ مَعْلُومٌ مبتدأ وصفته، والجملةُ في محلّ نصب حال، والواو هنا هي المسوِّغة، وكذلك الفصل بإلا مُسوّغ، وما هذه نافية، لكن أرادَ هنا الشارح أن يأتي بالمثال لكون النكرة مسبوقة بنفي ((وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ)) , قرية هذا نكرة في سياق النفي فيعمّ، ولذلك دخلت عليه مِن الزائدة ((وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ)) , (قَرْيَةٍ) ما إعرابها؟ مفعول به، تضعُه من الأمثلة التي جُرّ المفعول به ((وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ)) رسولاً ((وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ)) وما أهلكنا قريةً، إذن هو مفعول به منصوب بفتحة مقدّرة منعَ من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، وجملة (وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ) في محلّ نصب حال، فالمسوّغ هنا في هذه الآية ثلاث: ما النافية كونه في سياق النفي، وإلا، وواو الحال.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015