إذن إن لم يتأخّر صاحبُ الحال لا يجوزُ مجيءُ الحال منه وهو نكرة، وحينئذٍ صارَ التأخيرُ مسوّغاً له، لماذا؟ لأنه إذا تأخّرَ حصلَ نوع فائدة، مثلما قلنا هناك: في الدار رجلٌ، إذا قلت: رجلٌ في الدار، يعني: كائن في الدار، رجلٌ في الدار، في الدار رجلٌ, (رجلٌ في الدار) لا يجوز، لماذا؟ لكون (في الدار) هذا خبر، وحينئذٍ (رجل) هذا مبتدأ نكرة، وافتقار النكرة للنعت أشدُّ من افتقارها للخبر، فيُتوهّم أنه نعت لا خبر، فقُدِّم الجار والمجرور للدلالة على أنه خبر لا نعت، فحصلَ نوعُ إفادةٍ للمبتدأ، ليس فائدة تامّة؛ (في الدار رجل) (رجل في الدار) النتيجة واحدة، لكن لئلا يلتبس بالنعت، حينئذٍ صارَ تقديمٌ وتأخير، هنا كذلك، فإذا قُدِّم النكرة وهو الحال على صاحبها حصلَ نوعُ تخصيص عند السامع؛ نوعاً ما، وإن لم يكن على وجه التمام.
إذن هذا هو المسوّغ الأول؛ كونه يتأخَّر؛ يعني: صاحب الحال.
أَوْ يُخَصَّصْ والتخصيص هنا تحته صورتان: إما أن يُخصَّص بالوصف، وإما أن يُخصَّص بالإضافة، فيشمل صورتين: بالوصف (جاء رجلٌ طويلٌ راكباً)، (جاء رجلٌ راكباً) لا يصح؛ لأن رجل هذا صاحب الحال وهو نكرة، إذا وصفتَه حصلَ له نوع تخصيص، كما تقول .. هناك كما ذكرنا: وَمَصْدَرٌ مُنكَّرٌ، قلنا: مَصْدَرٌ هذا نكرة، وصحَّ الابتداء به لماذا؟ لكونه موصوفاً بقوله: مُنكَّرٌ، (جاء رجل طويل راكباً) نقول: راكباً هذا حال، وصاحب الحال رجل وهو نكرة، ما الذي سوّغَ كون صاحب الحال نكرة؟ وصفُهُ بطويل، كذلك بالإضافة، كما يُخصّص المبتدأ بالإضافة كذلك يُخصَّص صاحب الحال بالإضافة، (خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللهُ)، خمسُ صلوات: حصل التخصيصُ بالإضافة، هنا "فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ" سواءً أي مُستوية، وهذا حال من أربعة، أربعة ماذا؟ دنانير .. أربع سموات .. أربع أراضين .. ؟ هذا يحتمل لمّا قال: ((أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ)) حينئذٍ حصلَ له نوع تخصيص، لكن فيه نوعُ إبهام، وهو تعيين هذه الأيام، حينئذٍ نقول: حصلَ نوعُ تخصيص بالإضافة "فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ"، سواءً: هذا حال من أربعة وهو نكرة؛ لأن النكرة هنا أُضيفت إلى نكرة فلم تكتسب التعريف، وإنما اكتسبت التخصيص.