عرفنا إذا كان معرفة، إذا جاء نكرة حينئذٍ لا بدّ مِن مسوّغ، وذكرَ الناظم هنا أربع أوجه لتسويغ كون صاحب الحال نكرة؛ هي أربعة في الجملة، وستة عند التفصيل.

إذن: حقُّ صاحب الحال أن يكون معرفة، ولا يُنكّر في الغالب إلا عند وجود مسوّغ، قد يكون هذا مراد الناظم؛ أن غير الغالب أن يكون نكرة بمسوّغ، ويحتمل أنه نكرة بدون مسوّغ، ولذلك عند سيبويه لا يُشترَط أن يكون صاحب الحال معرفة، بل يكون نكرة عنده، كما سيأتي.

إِنْ لَمْ يَتَأَخَّرْ يعني: صاحب الحال إذا كان نكرة؛ فمن المسوّغات أن يتأخّرَ صاحب الحال ويتقدّم الحال النكرة، فإن تأخّرَ كان ذلك مسوّغاً لمجيئه نكرة، إذا قلت مثلاً: رجلٌ فيها قائماً، هل يصحّ؟ لا يصحن لماذا؟ لكون صاحبِ الحال وهو رجل نكرة، إذن ماذا نصنع؟ قائماً فيها رجل أو قائم رجل فيها، قدَّمنا الحال على النكرة، فإذا قُدّمت الحال على النكرة حينئذٍ نقول: هذا مُسوّغ، يعني: مُجوِّز، سَوّغ الشيء يعني جوّزه، جَوّزَ لك أن تبتدأ بنكرة وهي صاحب حال، والأصل فيها أن تكون معرفة، كون الحال متقدمة فتأخّر صاحب الحال هذا فيه نوع إفادة, إفادةٌ ما، وسبقَ معنا هناك: (مَا لَمْ تُفِدْ)، فإن أفادت أَيَّ فائدة بحيث يكون المخاطَب مستفيداً من كلام المتكلم شيئاً ما حينئذٍ نقول: حصلت الفائدة، هذا الضابطُ فيها، مثلُهُ الحكم هنا.

إِنْ لَمْ يَتَأَخَّرْ يعني صاحب الحال، فإن تأخّرَ حينئذٍ نقول: جازَ أن يكون صاحب الحال نكرة.

لِمَيّةً مُوحِشاً طَلَلُ, طَلَلُ هذا مبتدأ، وهو صاحب الحال، ومُوحِشاً هذا حال، جوّزَ كونَ صاحب الحال نكرة تقديمُ الحال عليها، لِمَيّةً مُوحِشاً طَلَلُ، مُوحِشاً هذا حال من المبتدأ، وفيه خلاف؛ سيبويه على الجواز .. أن يكون الحال من المبتدأ، والجمهور على المنع.

إذن المسوّغ الأول: التأخير؛ أن يتأخَّرَ من صاحب الحال أو الحال؟ أن يتأخر صاحبُ الحال، وأن يتقدَّمَ الحال على النكرة، نقول: فيها قائماً رجلٌ، وكقول الشاعر وأنشده سيبويه:

وَفِي الجِسْم مِنِّي بَيِّناً لَوْ عَلِمْتِهِ ... شُحُوبٌ وَإِنْ تَستَشْهِدي العَيْنَ تَشْهَدِ

شُحُوبٌ: مبتدأ مؤخّر، وَفِي بِالجِسْم هذا خبر مُقدّم، بَيِّناً هذا حال، شُحُوبٌ بَيِّناً، بَيِّناً هذا حال، وصاحب الحال هو شُحُوبٌ، وهو مبتدأ وهو نكرة، سوَّغَ كونَ صاحب الحال نكرة تقديمُ الحال عليها، وهذا هو المسوّغ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015