وعلى الأول هي حال وعلى الثاني ظرفية، وقيلَ على الاستثناء كانتصاب غير في: قاموا غيرَ زيداً. إذن هي منصوبة باتفاق، وإنما اختلفوا في وجه النصب؛ قيلَ الحال وما مصدرية، وقيلَ على الظرفية وما وقتية، وقيلَ مُنتصبة كانتصاب (غير) على الاستثناء.
وَبَعْدَ مَا انْصِبْ حتماً .. انصب حتماً لأنه واجب، وقد يُقال: بأننا لا نحمله على الوجوب، لأنه قال: وَانْجِرَارٌ قَدْ يَرِدْ، نقول: لا؛ وَانْجِرَارٌ قَدْ يَرِدْ هذا شاذٌ يُحفَظ ولا يقاس عليه، ولذلك لا نجعله قرينة لقوله انْصِبْ على أنه مُرادٌ به الجواز، وإنما المراد به الوجوب على الأصل.
وَبَعْدَ مَا انْصِبْ وَانْجِرَارٌ قَدْ يَرِدْ ولذلك قال: وَانْجِرَارٌ أفادَ بتنكيره قلة الجر، قَدْ يَرِدْ أجاز ذلك الجرمي والربعي والكسائي والفارسي، لكن على تقدير ما زائدة لا مصدرية، يعني من جوَّزَ الجر بها مع دخول ما لا يمكن أن يقول بأن ما مصدرية على بابها، وإنما قدَّر أن ما زائدة، قاموا ما عدا زيدٍ، ما خلا زيدٍ، ما وجهه؟ ما زائدة. لكن على تقدير ما زائدةً لا مصدرية، فإن قالوا بالقياس ففاسد، إن قالوا بالقياس على غيرها لأنها تُزاد (ما) بعد الحرف .. نقول: إن قالوا بالقياس ففاسد، لماذا؟ لأنه حُمِل ما زِيدت (ما) فيه قبلَ الحرف على ما زِيدت (ما) فيه بعد الحرف. القياس في لسان العرب -هذا سينصُّ عليه الناظم في آخر باب حروف الجر- أنه قد تُزادُ ما بعد الحرف، فيبقى العمل في بعضها وبعضها يُكفّ. فحينئذٍ " فَبِمَا رَحْمَةٍ" نقول رحمة هذا مجرور بماذا؟ بالباء حرف الجر و (ما) هذه لم تكفها. حينئذٍ زيدة ما بعد الحرف، وما ادّعوه من القياس باطل للفرق بين الفرع والأصل، لم يقع تساوي بينهما، قاسوا ما زيدت فيهما قبل الحرف على ما زيدت فيه ما بعد الحرف، قاسوا ما لا نظير له على ماله نظير، نقول هذا فاسد قياسٌ فاسد لا يعول عليه، فإن قالوا بالقياس ففاسد، لأن ما لا تُزاد قبل الجار بل بعده، " عَمَّا قَلِيلٍ" واضح هذا " فَبِمَا رَحْمَةٍ"، وإن قالوا بالسماع فهو من الشذوذِ بحيث لا يُحتج به. إذن الصواب أن يُقال بأن خلا وعدا فيهما وجهان الأول: خلوهما عن (ما) فيجوز فيهما الوجهان النصب على الاستثناء والجر بكونهما حرف جر، إن جررت بهما حينئذٍ حكمت عليهما بالحرفية، وإذا نصبتَ بهما حكمتَ عليهما بالفعلية، والأرجحُ هو النصب، وإذا تقدمت ما حينئذٍ يتعينُ النصب بها، ولا يجوز الجر، وأما قوله: وَانْجِرَارٌ قَدْ يَرِدْ " وَانْجِرَارٌ" هذا مبتدأ يعني انجرار بهم حينئذٍ قَدْ يَرِدْ قد بالتقليل، ونكَّر انجرار للقلة فدلَّ على أنه قليل جداً، ولذلك لا يعول عليه، إن سُمع يعتبر مما لا يُقاس عليه، فهو شاذٌ كما قال الأشموني: فهو من الشذوذ بحيث لا يُحتج به لا يُحتج به.