فلا تقل: آتيك جلوس زيد، يعني مكان جلوس زيد، لماذا؟ لأنه لم يسمع، لم تنطق العرب بقولهم: آتيك جلوس زيد.
وَذَاكَ فِي ظَرْفِ الزَّمَانِ يَكْثُرُ: وَذَاكَ ما هو؟ ينوب مصدر عن ظرف الزمان، إنابة المصدر عن ظرف الزمان يكثر في لسان العرب، وإذا كثر الشيء صار مقيساً، إذاً يقاس عليه، بخلاف إنابة المصدر عن ظرف المكان، فحينئذٍ يكون سماعياً.
وَذَاكَ يَكْثُرُ: وَذَاكَ مبتدأ، يَكْثُرُ خبر، فِي ظَرْفِ الزَّمَانِ يحتمل، ذَاكَ أي المشار، هذا فيه معنى الفعل دون حروفه، ويتعلق به جار ومجرور، ذَاكَ فِي ظَرْفِ الزَّمَانِ، يكثر في ظرف الزمان، يحتمل هذا وذاك، لكن أيهما أليق بالمعنى؟ يكثر في ظرف الزمان، الذي هو إنابة المصدر عن ظرف الزمان كثير.
وَقَدْ يَنُوبُ عَنْ مَكَانٍ مَصْدَرُ، قلنا: قد للتقليل، ثم قال: وَذَاكَ فِي ظَرْفِ الزَّمَانِ يَكْثُرُ دل على أن قَدْ قطعاً محمولة على التقليل، فحينئذٍ نفسر المعنى -معنى قد- وهي حرف مشترك نفسره بالتقليل، ويكثر إقامة المصدر مقام ظرف الزمان، نحو: آتيك طلوع الشمس وقدوم الحاج وخروج زيد، أيضاً على حذف مضاف، والأصل: وقت طلوع الشمس ووقت قدوم الحاج، ووقت خروج زيد، وحذف المضاف، وأعرب المضاف إليه بإعرابه، وهو مقيس في كل مصدر، لكن شرطه إفهام تعيين وقت أو مقدار، ليس على إطلاقه، لابد أن يكون المعنى واضحاً، يعني: أن يفهم، إذا قلت: آتيك طلوع الشمس، لا بد أن يفهم تعيين وقت أو مقدار، نحو: كان ذلك خَفوق النجم، أي: غروب الثريا، وطلوع الشمس، وانتظرته نحر جزور، يعني: وقت أو مقدار، وحلب ناقة، أي: مقدار حلب ناقة، والأصل وقت خَفوق النجم، ووقت طلوع الشمس ومقدار، -مقدار انظر-، لم نقل: وقت، وإنما قلنا: مقدار نحر جزور، ومقدار حلب ناقة، فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، وهنا ذكر المصدر مما ينوب عن اسم الزمان واسم المكان، وليس خاصاً بالمصدر، بل ينوب عنه أيضاً صفته وعدده وكليته أو جزئيته، جلست طويلاً من الدهر شرقي مكان، ما نوعه؟ أين الإنابة هنا؟ أين حصلت؟ في أي لفظ؟ جلست طويلاً من الدهر شرقي مكان، هذا مما ناب فيه الصفة عن الظرف، وسرت عشرين يوماً، عشرين نقول: هذا ناب العدد فيه عن ظرف الزمان، سرت عشرين بريداً، مشيت جميع اليوم، جميع هذا ناب عن الزمان، مشيت جميع البريد، مكان، كل اليوم، بعض اليوم، كل البريد، بعض البريد، نقول: هذا مما ينوب، لكن القاعدة أنه ينوب عنه صفته وعدده وكليته أو جزئيته، كل، لفظ كل يعني وبعض، وكما سبق أنه إذا أضيف إلى المصدر صار معناه مصدراً، وإذا أضيف إلى اسم الزمان كل يوم كل مكان صار ظرف زمان أو ظرف مكان، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!