ثم قال: وَمَا يَقْبَلُهُ، (مَا) نافية، يَقْبَلُهُ الضمير يعود إلى النصب على الظرفية، الْمَكَانُ فاعل يقبل، إلا مُبْهَمَاً استثناء، وهذا حصر، يعني إثبات الحكم للمذكور ونفيه عما عداه، فلما كان اسم المكان على نوعين: مبهم ومختص، والذي يقبل النصب على الظرفية هو المبهم دون المختص حصره فيه، ونفاه عن المختص، فقال: وَمَا نافية، يَقْبَلُهُ الْمَكَانُ إلا مُبْهَمَا، هذا حال من الفاعل وهو الْمَكَانُ، إِلاَّ مُبْهَمَاً يعني: لا يقبل النصب على الظرفية المكان في حال من الأحوال إلا في حال كونه مبهماً.
نَحْوُ الجِهَاتِِ وَالمَقَادِيرِ وَمَا ... صِيغَ مِنَ الْفِعْلِ، الظاهر أن الناظم مثَّل للمبهم بثلاثة أشياء: أولاً الجِهَاتِِ، والثانيالمَقَادِيرِعلى قولٍ، الظاهر أنها عنده من المبهم، وَمَا صِيغَ مِنَ الْفِعْلِ هذا إما أن يكون معطوفاً على الجِهَاتِِ، فحينئذٍ يكون داخلاً في المبهم، وإما أن يكون معطوفاً على (مُبْهَمًا)، فحينئذٍ صار المستثنى مما ينصب على الظرفية وهو مكان شيئان: أن يكون مبهماً، ويقابله قسم آخر وهو ما صيغ من الفعل، هذا محتمل، هذا وذاك، لكن إذا نظرنا في: مَا صِيغَ مِنَ الْفِعْلِ هذا قد يكون مختصاً، جلست مجلس زيد، وجلست مجلساً، فحينئذٍ قد يكون مختصاً وقد يكون مبهماً، وإن كان الأكثر فيه الإبهام.
نَحْوُ الجِهَاتِِ: هذا مثال للمبهم، وهو ما ليس له أقطار تحويه، نحو الجهات الست، وكل لفظ دل على الجهات الست فهو داخل فيها، ليس المراد ألفاظاً ستة، لا، المراد كل ما دل على الجهات نحو أمام ووراء ويمين وشمال وفوق وتحت، وما أشبهها في الشياع كمكان وجانب، هذه كلها تدل على الجهات، ((وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ)) [يوسف:76] فَوْقَ، نقول: هذه منصوب على الظرفية، وهو من الجهات الست، ((وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ)) [يوسف:76]، ((قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا)) [مريم:24] تَحْتَكِ، نقول: هذا منصوب على الظرفية المكانية، ((وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ)) [الأنفال:42] هذا منصوب على الظرفية المكانية، ((وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ)) [الكهف:79] وَرَاءَهُمْ بالنصب على الظرفية المكانية، ((وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ)) فقال: ((ذَاتَ الْيَمِينِ)) ثم قال: ((تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ)) [الكهف:17]، فحينئذٍ هذه الجهات الست نقول: من قبيل المبهم.
وَالمَقَادِيرِ: يعني ونحو المقادير، وهذا من المبهمات على رأي أحد المذاهب.