يا رُبَّ كاسيةٍ .. يا رُبَّ، رُبَّ: حرف بالإجماع، وقد وقعت بعد يا الندائية، ألا يا اسجدوا في قراءة الكسائي وهو فعل أمر، حينئذٍ وقع الفعل بعد يا، حينئذٍ لا بد من توجيه هذا الدخول .. دخول يا على الحرف وعلى الفعل، فلنا أحد وجهين:

إما أن نقول: إن يا في مثل هذه التراكيب ليست حرف نداء، بل هي حرف تنبيه، وحرف التنبيه لا يختص بالاسم، بل يدخل على الحرف وعلى الاسم: ((أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ)) [يونس:62] ألا إن: دخل على جملة مصدرة بإن، إذاً: لا يختص بالاسم، فدخل حرف التنبيه على رُبَّ، ودخل على ليت، ودخل على الفعل، ولا إشكال.

الجواب الثاني: أن يقال: يا، نعم هي حرف نداء، ولكن المنادى محذوف، ((يَا لَيْتَ قَوْمِي)) [يس:26] يا قومي، يا هؤلاء ليت قومي، هؤلاء: هو المنادى وهو محذوف وهو اسم، إذاً: قاعدة مطردة، ألا يا هؤلاء اسجدوا، إذاً: جعل المنادى محذوف، وأيهما أولى؟ هل نقول: ياء حرف تنبيه، أو المنادى محذوف؟ يحتمل هذا وذاك، إلا أنه يشكل على القول الثاني وهو جعل المنادى محذوفاً أنه قد يجلس المرء وحده، ويقول: لا ليتني فعلت كذا، فحينئذٍ كيف يقول: يا ليتني، أين التقدير .. أين المنادى؟ ليس عندنا منادى أصلاً، هو لوحده ويخاطب نفسه، يعاتب نفسه .. يا ليتني فعلت كذا، حينئذٍ يتعين أن تكون يا هنا حرف تنبيه، ولا يصح أن يكون ما بعدها منادى محذوف.

وحينئذٍ هل لا بد من الترجيح من أحدهما، أو ننظر إلى السياق ونُجَوِّزُ الأمرين؟ الثاني أرجح، بعضهم أبطل أن تكون ياء حرف تنبيه .. أن يكون المنادى محذوف، بعضهم أبطل التوجيه الثاني من النحاة، بأن يكون المنادى محذوفاً؛ لأنه قد يقع لمن لا ينادي إلا نفسه، يا ليتني فعلت كذا، نقول: هذا نعم يسلم، لكنه ليس بمطرد على جهة الإطلاق، فمتى ما وجدت قرينة تعين أن تكون يا حرف تنبيه، حينئذٍ توجه القول به، وإن لم يكن كذلك حينئذٍ جوز الأمران، قد تكون يا حرف تنبيه، وقد يكون المنادى محذوفاً بعد يا وهي على بابها، إذاً: لا يعترض بهذه الأمثلة على أن النداء ليس من خواص الأسماء، بل هو من خواص الأسماء، فحينئذٍ نقول: الاسم يتميز عن قسيميه الفعل والحرف بكون الكلمة مناداة وقعت بعد حرف نداء، فإن وجد بعده حرف أو فعل لا بد من التخريج .. لا بد من التخريج.

والندا: إذاً عرفنا أنها من خواص الأسماء، وأما نحو: ((يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ)) [يس:26] ويا رب كاسية .. رُبَّ: حرف بالإجماع، ألا يا اسجدوا .. يا اسجدوا هكذا بالوقف، في قراءة الكسائي لتخلف الدعاء عن يا فإنها لمجرد التنبيه، وحرف التنبيه لا يختص بالاسم وهذا واضح.

أو أنها للنداء والمنادى محذوف تقديره: يا هؤلاء في الآيتين، يا هؤلاء .. ليت قومي .. ألا يا هؤلاء اسجدوا، وهو مقيس في الأمر كالآية، وفي الدعاء كقوله: ألا يا اسلمي .. اسلمي: هذا فعل أمر:

أَلاَ يا اسْلَمي يا دارَ مَيَّ عَلى الْبِلى:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015