إذاً قوله: يُنْصَبُ مَفْعُولاً لَه الْمصْدَرُ جوازاً لا وجوباً، ولو مع استيفاء الشروط، استيفاء الشروط هذه للتجويز لا للإيجاب، إن وجدت فيه هذه الشروط الثلاثة؛ أعني المصدرية وإبانة التعليل واتحاده مع عامله في الوقت والفاعل، جعلهما شرطاً واحداً، ولم يذكر كونه قلبياً، والظاهر أنه يسقطه، فإن فقد شرط من هذه الشروط تعين جره بحرف التعليل، وهو (اللام) أو (من) أو (في) أو (الباء)، فمثال ما عدمت فيه المصدرية قولك: جئتك للسمن، لا يصح أن تقول: جئتك السمن والعسل، يعني: ما جاء بي إلا من أجل السمن، هذا لا يصح لماذا؟ لأن السمن ليس مصدراً، والعسل كذلك ليس مصدراً، ((وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ)) [الرحمن:10]، الأَنَامِ ليس مصدراً.
ومثال ما لم يتحد مع عامله في الوقت: جئتك اليوم للإكرام غداً، جئتك اليوم حصل المجيء اليوم، والإكرام المترتب على المجيء سيكون غداً، إذاً انفصلا في الزمن، ومثله: تأهبتُ السفر، لا يصح، وإنما تقول: تأهبتُ للسفرِ، تأهبتُ السفرَ، السفرَ هو علة للتأهب لكنه سابق عليه، حينئذٍ مثل: نَضَّتْ لِنَوْمٍ ثِيَابَهَا.
ومثال ما لم يتحد معامله في الفاعل: جاء زيدا لإكرام عمر له، جاء زيد لإكرام من؟ عمرو له، جئتك محبتك إياي، المحبة وقعت لمن؟ محبتك إياي، جئتك فاعل المجيء أنا، جئتك، محبتك إياي، المحبة ليست مني، لابد أن يقع مدلول المصدر من المتكلم، جد شكراً، جدتُ شكراً، الجود والشكر مني أنا، متحد، وأما هنا جئتك محبتك إياي، وجب جره بـ (اللام)؛ لأن المحبة ليست مني، ليست فعلي أنا، وإنما هو فعل المخاطب، ((وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ)) [الأنعام:151] ما الذي فقد؟ مِنْ إِمْلاقٍ فقرٍ، هذا مثَّلوا له بفقد كونه قلبياً، بخلاف خَشْيَةِ إِمْلاقٍ، وقد انتفى الاتحادان في قوله: ((أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ)) [الإسراء:78] لا الوقت ولا الفاعل، ((أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ)) فدلوك الشمس ليس فاعله مقيم الصلاة، حينئذٍ انتفى فيه شرط اتحاد الوقت والفاعل.
ولا يمتنع الجر بالحرف مع استكمال الشروط نحو: ذا قنع لزهد، وزعم قومٌ أنه لا يشترط في نصبه إلا كونه مصدراً فحسب مع التعليل، وأما اتحاد الوقت واتحاد الفاعل وكونه قلبياً، هذه الشروط كلها محدثة عند المتأخرين، وأما المتقدمون فليس عندهم هذه الشروط، ولذلك نص السيوطي في همع الهوامع على هذا. قال في الهمع: شرط الأعلم والمتأخرون مشاركته لفعله في الوقت والفاعل، ولم يشترط لذلك سيبويه ولا أحد من المتقدمين، فجوزوا اختلافهما في الوقت واختلافهما في الفاعل.