وقوله: إِنْ أَبَانَ يعني: أن أظهر، تَعْلِيلاً أي أظهر علة الشيء الذي هو الحدث الذي وقع، أي الباعث على الفعل سواء كان غرضاً، نحو: جئتك جبراً لخاطرك، علة الشيء قد يكون الشيء غرضاً، جئت جبراً لخاطرك، إذاً غرض، شيء في النفس، يعني: إرادة سابقة، أو لا يكون كذلك، لا يكون غرضاً، مثل: قعدت عن الحرب جبناً، هل هو مثل الأول؟ جئت جبراً لخاطرك، يعني: هنا بيَّن الإرادة التي كانت سبباً في المجيء، وأما: قعدت جبناً، الجبن هذا لازم له، لا يكون غرضاً، لا يقصد مثل المجيء، حينئذٍ يكون عاماً للنوعين، فقد يكون المفعول له غرضاً، وذلك فيما إذا كانت الإرادة سابقة للفعل نفسه، جئت جبراً لخاطرك، حينئذٍ الجبر هذا -جبر الخاطر- هو علة في حصول المجيء، فلو لم يكن ما حصل المجيء، وأما الجبن فهو ملازم له، الجبان جبان، لا يكون في وقت جبان وفي وقت آخر ليس بجبان، الشجاعة صفة لازمة، والجبن صفة لازمة، وهي من أفعال السجايا جَبُنَ، ولذلك نقول: فَعُلَ، إذاً هو من أفعال السجايا فهو صفة لازمة، أو لا، كـ: قعدت عن الحرب جبناً.
إِنْ أَبَانَ تَعْلِيلاً فيشترط في المصدر الذي ينصب على المفعولية على أنه مفعول له أن يكون معلِّلاً، لكن يشترط فيه أن يكون مغايراً للفظ عامله، إذ لو كان مطابقاً للفظ عامله لصار مفعولاً مطلقاً، هذا قيد لا بد من زيادته، يشترط أن يكون من غير لفظ الفعل، فإن كان نحو حِيلَ محِيلاً، محيلاً نصب على المصدرية، يعني: صار مفعولاً مطلقاً.
إِنْ أَبَانَ تَعْلِيلاً هذا القيد الثاني، والشرط الثاني.
قيل: لا يصح جعله شرطاً للنصب وهو كونه معلِّلاً، كونه معلِّلاً قيل: لا يصح جعله شرطاً للنصب لماذا؟ إذ إبانة التعليل من حقيقة المفعول له، فليست شرطاً خارجاً عن ماهية المفعول له، فرق بين الركن والشرط، الركن ما كان داخلاً في جزء الماهية، والشرط خارج عنه، حينئذٍ كونه معللاً هو داخل في ماهية المفعول له، وإذا كان كذلك لا يجعل شرطاً؛ لأننا إذا جعلناه شرطاً حكمنا عليه بأنه ليس داخلاً في الماهية:
وَالرُّكنُ جُزءُ الذَّاتِ والشَّرطُ خَرَج، نقول: الطهارة شرط لصحة الصلاة، والفاتحة ركن، فرق بين الطهارة وقراءة الفاتحة، الفاتحة تكون في الماهية داخلة، والشرط يكون خارجاً.