ولهذه العلة قدَّمه ابن الحاجب عن المفعول به، وهو أولى، لأنه أولى ما يسمى مفعولاً هو المفعول المطلق، وقدمه على المفعول به، وقيل: سمِّي مفعولاً مطلقاً؛ لأن حمل المفعول عليه لا يُحوِجُ إلى صلة؛ لأنه مفعول الفاعل حقيقة: ضربتُ ضرباً، ضرباً هو مفعول الفاعل حقيقة، ضربتُ ما الذي أحدث الفاعل هنا؟ أحدث ضرباً، فهو المفعول حقيقة، بخلاف ضربتُ زيداً، زيداً ليس هو مفعول الفاعل، مفعول الفاعل هو الضرب، والمفعول به ليس هو المفعول حقيقة للفاعل، وإنما هو زيد، وهو شيء مغاير للضرب، كذلك المفعول معه سرتُ والنيلَ، النيلَ ليس هو فعل الفاعل السير، وإنما هو شيء مغاير له، وكذلك المفعول فيه: صمت يوم الخميس، يوم الخميس ليس هو عين الصوم، بل هو ظرف له، إذاً ليس مفعولاً حقيقة، وإنما الذي يكون مفعولاً حقيقة، هو المَفْعُولُ المُطْلَقُ: ضربتُ ضرباً، ضرباً هو الحدث الذي دل عليه ضربت، فهو جزء من الفعل، فهو المفعول حقيقة.

سمي مفعولاً مطلقاً لأن حمل المفعول عليه لا يحوج إلى صلة، فلا يقال: مفعول به، ولا مفعول معه الخ؛ لأنه مفعول الفاعل حقيقة، بخلاف سائر المفعولات، فإنها ليست بمفعول الفاعل، وتسمية كل منها مفعولاً إنما هو باعتبار إلصاق الفعل به، أو وقوعه لأجله، أو فيه، أو معه على حسب العلة التي ذُكر ذلك المفعول، إما لكونه مع الفاعل، وإما لكونه ظرفاً له، وإما لكونه علةً له، الخ ما ذكر.

فلما كان مقارناً له حينئذٍ قُيِّد بحرف أو ظرف، وهذا لا، مخالف له، فلذلك احتاجت في حمل المفعول عليها إلى التقييد بحرف الجر بخلافه، وبهذا استحق أن يقدم عليها في الوضع.

ولذلك ابن مالك بقوله: فَانْصِبْ بِهِ مَفْعولَهُ، إنما ذكره من باب الاستطراد، وهذا أول المفاعيل وهو المفعول المطلق، يرِدُ عليه أنه ذكره في باب تعدي الفعل ولزومه، نقول هناك ذكره استطراداً، هذا وجه لبعضهم.

المَفْعُولُ المُطْلَقُ: زاد في شرح الكافية في الترجمة: وهو المصدر، وهذا كثير ما يعبر به النحاة عن المفعول المطلق، هل هو المصدر؟

نعم. هو المصدر، لذلك عرفه الناظم هنا، بدأ بالمصدر، المفعول المطلق ثم قال: الْمَصْدَرُ، كأنه قال: وهو المصدر، ثم عرَّف المصدر، هذا بناءً على مسألة مختلف فيها، هل المفعول المطلق لا يكون إلا مصدراً؟ أم يكون مصدراً وغير مصدرٍ؟

فمن اشترط المصدرية، صدَّر تعريف المفعول المطلق بالمصدر، ومن لم يشترط المصدرية قال: هو اسم، عمم، حينئذٍ يرد الخلاف في النائب عن المفعول المطلق، هل هو مفعول مطلق حقيقة أم أنه نائب عنه وليس بحقيقة؟

هذا ينبني على الخلاف في اشتراط المصدرية في المفعول المطلق، فمن اشترط المصدرية، حينئذٍ قال: تلك نائبة عن المفعول، ليست مفعولاً حقيقةً، وإنما هي نائبة، وهذا ظاهر صنيع الناظم؛ لأنه قال: المفعول المطلق: الْمَصْدَرُ عرَّفه، ثم قال: وَقَدْ يَنُوبُ عَنْهُ عن المصدر، مَا عَلَيْهِ دَلّ، فدل على أن النائب ليس بمفعولٍ مطلقاً حقيقة، وإنما هو نائب عنه، وعليه يشترط في المفعول المطلق أن يكون مصدراً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015