ثم قال: (وأراد من الخلق فهم ما يناقضها) أي: الرسول، (لأن مصلحة الخلق في هذه الاعتقادات التي لا تطابق الحق) وأي مصلحة يزعمون؟! إنما هي خيالات وشبه! قال: (ويقول هؤلاء: يجب على الرسول أن يدعو الناس إلى اعتقاد التجسيم مع أنه باطل، وإلى اعتقاد معاد الأبدان مع أنه باطل) أي مع أنه لن يكون وأنه كذب، (ويخبرهم بأن أهل الجنة يأكلون ويشربون مع أن ذلك باطل، قالوا: لأنه لا يمكن دعوة الخلق) هذا بيان للمصلحة التي زعموها (لأنه لا يمكن دعوة الخلق إلا بهذه الطريقة التي تتضمن الكذب لمصلحة العباد) ، فلو جاءت الرسل تدعو إلى الله وتبين للناس حقائق الأمور على ما هي عليه دون هذه الكذبات ودون هذه الافتراءات التي زعموها؛ لما صدقهم أحد ولما تبعهم أحد، فكذب الرسل في الإخبار بأن الله يبعث الناس، وأن أهل الجنة يتنعمون بالأكل والشرب وغير ذلك؛ إنما كان لمصلحة كبرى، وهي أن ينقاد الناس إلى الخير وينصرفوا عن الشر.
قال: (فهذا قول هؤلاء في نصوص الإيمان بالله واليوم الآخر) يعني: فيما يتعلق بالعقائد.
(وأما الأعمال) أي: وأما ما جاءت به الرسل من الأعمال: كالأمر بالصلاة، والأمر بالزكاة، والصوم، والحج، وغير ذلك من العبادات، (فمنهم من يقرها) ويثبتها على ما جاءت (ومنهم من يجريها هذا المجرى) أي: مجرى الأمور الخبرية الاعتقادية فيقول فيها: إن الرسل قد ضللوا، وإنما أمروا بهذا لمصلحة العباد، وإلا فإن المقصود بالصلاة ليست الصلاة التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم لأمته، إنما هي أمور باطنة لا يعلمها إلا الخواص! وهذا من أعظم النقض والكذب على الشريعة.
قوله: (ويقول: إنما يؤمر بها بعض الناس دون بعض، يؤمر بها العوام) ، أي: أما الخواص الذين يفهمون معنى هذه العبادات على حقيقتها، فيفهمون معنى الحج ومعنى الصيام ومعنى الزكاة ومعنى الصلاة الحقيقي، فلا حاجة إلى أن يصلوا ولا أن يحجوا ولا أن يصوموا ولا أن يزكوا الزكاة التي فرضت على العامة.
ثم قال: (ويؤمر بها العامة دون الخاصة، فهذه طريقة الباطنية الملاحدة: الإسماعيلية ونحوهم) وهذه الطريق مستنكرة مكذبة مكروهة، ظاهرة البطلان عند كل من يؤمن بالله واليوم الآخر؛ ولذلك لم يطل الشيخ رحمه الله في نقض هذه الطريق وإنما اكتفى بذكر طريقتهم دون النقض لها؛ لأنها بينة العوار لا تلتبس على من في قلبه إيمان بالله واليوم الآخر.