الكلام على القسم الأول من المنحرفين عن الصراط المستقيم وهم أهل التخييل

فأهل التخييل: هم المتفلسفة ومن سلك سبيلهم من متكلم، ومتصوف، ومتفقه، فإنهم يقولون: إن ما ذكره الرسول من أمر الإيمان بالله واليوم الآخر إنما هو تخييل للحقائق؛ لينتفع به الجمهور، لا أنه بين به الحق ولا هدى به الخلق ولا أوضح به الحقائق.

ثم هم على قسمين: منهم من يقول: إن الرسول لم يعلم الحقائق على ما هي عليه، ويقولون: إن من الفلاسفة الإلهية من علمها، وكذلك من الأشخاص الذين يسمونهم الأولياء من علمها، ويزعمون أن من الفلاسفة والأولياء من هو أعلم بالله واليوم الآخر من المرسلين، وهذه مقالة غلاة الملحدين من الفلاسفة والباطنية: باطنية الشيعة وباطنية الصوفية.

ومنهم من يقول: بل الرسول علمها لكن لم يبينها، وإنما تكلم بما يناقضها وأراد من الخلق فهم ما يناقضها؛ لأن مصلحة الخلق في هذه الاعتقادات التي لا تطابق الحق.

ويقول هؤلاء: يجب على الرسول أن يدعو الناس إلى اعتقاد التجسيم مع أنه باطل، وإلى اعتقاد معاد الأبدان مع أنه باطل، ويخبرهم بأن أهل الجنة يأكلون ويشربون مع أن ذلك باطل.

قالوا: لأنه لا يمكن دعوة الخلق إلا بهذه الطريقة التي تتضمن الكذب لمصلحة العباد.

فهذا قول هؤلاء في نصوص الإيمان بالله واليوم الآخر.

وأما الأعمال فمنهم من يقرها ومنهم من يجريها هذا المجرى ويقول: إنما يؤمر بها بعض الناس دون بعض، ويؤمر بها العامة دون الخاصة، فهذه طريقة الباطنية الملاحدة الإسماعيلية ونحوهم] .

عاد الشيخ رحمه الله -بعد كلامه السابق- إلى تصنيف الطوائف المنحرفة في باب أسماء الله وصفاته أو في باب الإخبار عنه سبحانه وتعالى، وضم إليه الانحراف في باب ما أخبر به سبحانه وتعالى مما يقع في اليوم الآخر، فقال مبيناً منهج السلف: (والصحابة والتابعون لهم بإحسان ومن سلك سبيلهم في هذا الباب) أي: في باب ما يتعلق بالله سبحانه وتعالى على سبيل الاستقامة، من غير غلو ولا تفريط.

ثم قال: (وأما المنحرفون عن طريقهم فهم ثلاث طوائف في الجملة: أهل التخييل، وأهل التأويل، وأهل التجهيل) ثم شرع رحمه الله في الكلام على كل طائفة على سبيل الإجمال؛ لأن هذه القسمة التي ذكرها الشيخ رحمه الله هي قسمة عامة تندرج فيها أكثر من فرقة، فمثلا أهل التأويل يدخل فيهم الأشاعرة، والكلابية، ويدخل فيهم المعتزلة، ويدخل فيهم الجهمية، ويدخل فيهم غلاة الجهمية أيضاً.

وكذلك أهل التخييل وأهل التجهيل مراتب، فهو يتكلم عن أصول هذه البدع، ويذكر الجامع في كل بدعة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015