ثم قال الشيخ: (فكما أنه موصوف بأنه بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير وأنه سميع بصير ونحو ذلك) أي: فكما أن هذه الأوصاف لا يلزم منها تمثيل ولا تعطيل، فكذلك صفة الاستواء، فالاستواء صفة فعلية من صفات الله عز وجل.
وقوله: (كما أنه موصوف بأنه بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير وأنه سميع بصير) ذكر فيه صفات ذاتية: العلم والقدرة والسمع والبصر، وهذا يشير إلى الأصل في باب الأسماء والصفات، وهو: أن القول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر، فلا نفرق بين الصفات الفعلية والصفات الذاتية والصفات الخبرية بل قولنا في صفة من الصفات هو كقولنا في سائر الصفات، فكما أننا نقول: بأنه بكل شيء عليم وأنه على كل شيء قدير وأنه سميع بصير، ولا نخترع لوازم باطلة على هذا الإثبات؛ فكذلك في الاستواء؛ لأن القول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر.
فباب الصفات باب واحد لا نميز بينه في اللوازم فنثبت بعضاً وننفي بعضاً، ولذلك ما سلم من ناحية اللوازم إلا من نفى كل الصفات، أما من أثبت بعضاً ونفى بعضاً فقد احتج عليه المبتدع الذي نفى الجميع، وقال: كيف تثبت بعضاً وتنفي بعضاً مع أن الباب واحد، واللازم فيما نفيت يلزم فيما أثبت؟ فوقع هذا المثبت في اضطراب وخطأ، وعلى هذا فكما نثبت هذه الصفات على الوجه الذي يليق به، فنحن نثبت الاستواء وغيره من الصفات الفعلية على الوجه الذي يليق به.
قال: (ولا يجوز أن يثبت للعلم والقدرة خصائص الأعراض التي لعلم المخلوقين وقدرهم، فكذلك هو سبحانه فوق العرش ولا يثبت لفوقيته خصائص فوقية المخلوق على المخلوق وملزوماتها) ، وهذا جيد وبين، أي: فكما أنكم تقولون يلزم على إثبات الاستواء مماثلة المخلوق، فكذلك العلم والقدرة فإن الله وصف المخلوق بالعلم والقدرة والسمع والبصر وغير ذلك من الصفات، فكما أن قيام هذه الصفات في المخلوق لا يلزم منه أن تكون الصفات الثابتة للخالق مماثلة لها، فكذلك في صفة الاستواء وغيرها من الصفات التي نفيتموها، والقاعدة في هذا: أن القول في بعض الصفات كالقول في بقيتها.
وبعد أن فرغ الشيخ رحمه الله من بيان تلازم شبهتي التعطيل والتمثيل، ناقش الأصل الذي اعتمد عليه هؤلاء وهؤلاء فيما ذهبوا إليه من البدع، وهو اعتمادهم العقل في باب الأسماء والصفات، وسيبين الشيخ رحمه الله فيما يأتي أن اعتماد العقل في باب الأسماء والصفات غير صحيح.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.