وبعد أن فرغ من بيان أن أول طريق التعطيل هو التمثيل أتى إلى الجانب الآخر وهو: أن الممثلة معطلة فقال: (وصار هذا مثل قول الممثل: إذا كان للعالم صانع) أي: خالق، فهذا الصانع: (إما أن يكون جوهراً أو عرضاً) الجوهر في كلام العرب هو: حقيقة الشيء وذاته.
ومعناه عند المتكلمين قريب من هذا، وأما العرض فهو: الصفة، وهو ما لا يدوم ولا يبقى ولا يقوم بنفسه بل يقوم بغيره.
يقول: (إذا كان للعالم صانع فإما أن يكون الصانع جوهراً) له حقيقة وذات، (وإما أن يكون عرضاً) لا يقوم بذاته ولا يدوم، (إذ لا يعقل موجود إلا هذان) لا يعقل موجود إلا عرض أو جوهر.
(وقوله: إذا كان مستوياً على العرش فهو مماثل لاستواء الإنسان على السرير والفلك) ؛ لأن العرش هو السرير والفلك هي البواخر، فلا يعقل من الاستواء إلا استواء الإنسان على سريره أو استواؤه على البواخر.
(إذ لا يعلم الاستواء إلا هكذا) أي: في حق المخلوقين.
قوله: (فإن كليهما مثّل وكليهما عطّل حقيقة ما وصف الله به نفسه) ، فوقع التمثيل عندما اعتقد المعطل أنه لا يتصور معنى للاستواء الثابت له سبحانه وتعالى إلا كالاستواء الثابت للمخلوق على السرير أو على الفلك أو على غير ذلك مما يستوي عليه، فهو في الحقيقة مثّل صفة الله عز وجل بصفة خلقه، فأدى به هذا إلى أن عطل الله سبحانه وتعالى عما يجب له من الكمال إذ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11] فكان الممثل معطلاً.