قاعدة أهل السنة والجماعة في باب الأسماء والصفات

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وآله والتابعين.

أما بعد: فيقول شيخ الإسلام رحمه الله رحمة واسعة: [فصل: ثم القول الشامل في جميع هذا الباب: أن يوصف الله بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله، وبما وصفه به السابقون الأولون لا يتجاوز القرآن والحديث؛ قال الإمام أحمد رضي الله عنه: لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، لا يتجاوز القرآن والحديث.

ومذهب السلف: أنهم يصفون الله بما وصف به نفسه، أو بما وصفه به رسوله، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، ويعلم أن ما وُصِفَ الله به من ذلك فهو حق ليس فيه لغز ولا أحاجي، بل معناه يعرف من حيث يعرف مقصود المتكلم به، لاسيما إذا كان المتكلم أعلم الخلق بما يقول، وأفصح الخلق في بيان العلم وأفصح الخلق في البيان والتعريف والدلالة والإرشاد، وهو سبحانه مع ذلك ليس كمثله شيء لا في نفسه المقدسة المذكورة بأسمائه وصفاته ولا في أفعاله، فكما نتيقن أن الله سبحانه له ذات حقيقة وله أفعال حقيقة، فكذلك له صفات حقيقة وهو ليس كمثله شيء، لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، وكل ما أوجب نقصاً أو حدوثاً فإن الله تعالى منزه عنه حقيقة، فإنه سبحانه مستحق للكمال الذي لا غاية فوقه، ويمتنع عليه الحدوث؛ لامتناع العدم عليه، واستلزام الحدوث في سابقة العدم؛ ولافتقار المحدث إلى محدث؛ ولوجوب وجوده بنفسه سبحانه وتعالى] .

بعد أن فرغ الشيخ رحمه الله من الفصل الأول الذي قرر فيه بطلان طريقة المتكلمين في باب أسماء الله وصفاته، وبين أوجه بطلان هذا القول، ومنشأ قولهم، وبين أيضاً صحة طريقة السلف، واستدل لذلك، جاء بهذا الفصل ليشرح منهج أهل السنة والجماعة وطريق السلف في هذا الباب، وبدأ الشيخ رحمه الله بذكر قاعدة كلية في باب الأسماء والصفات، وفي غيره مما يتعلق بالله تعالى ومعرفته, فقال: (ثم القول الشامل في جميع هذا الباب) يعني: باب الأسماء والصفات وما يجب له سبحانه وتعالى (أن يوصف الله بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله) وهذه قاعدة كلية، وهو بيان مجمل لعقيدة السلف في باب الأسماء والصفات، وأنهم رحمهم الله ورضي عنهم كانوا في هذا الباب واقفين على ما جاء في كتاب الله وما جاء في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، واستدل لهذه القاعدة وأنها منهج السلف بقول للإمام أحمد رحمه الله فقال: (وما وصفه به السابقون الأولون لا يتجاوز القرآن والحديث) أي: لا يتجاوز في باب وصف الله عز وجل وفي باب ما يجب له، ما جاء في القرآن والحديث.

قال: (وبما وصفه به السابقون الأولون) وهذا ليس على أنه طريق ثالث لإثبات ما يجب لله سبحانه وتعالى في هذا الباب، وإنما ليبين أنهم وقفوا على ما وقف عليه السلف الصالح في هذا الباب فهم سالكون في طريقهم ناهجون لسبيلهم، والسلف الصالح قد وقفوا في هذا الباب على الكتاب والسنة، وهم لا يتكلمون فيما يتعلق بالله سبحانه وتعالى من قبل آرائهم ولا من قبل عقولهم، وإنما يتكلمون في هذا الباب بما سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وما علموه من كتاب الله جل وعلا، فهم في وصفهم وفيما يخبرون به عن الله عز وجل لا يخرجون عن هدي الكتاب وسنة النبي صلى الله عليه وسلم.

(قال الإمام أحمد رضي الله عنه: (لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، لا يتجاوز القرآن والحديث) بل يجب الوقوف عندهما؛ لأن الله جل وعلا أعلم بنفسه وبغيره، فهو سبحانه وتعالى أحسن حديثاً وأصدق قيلاً، ورسله صادقون مصدقون فيما يخبرون به عن الله جل وعلا، وهذه التعليلات ذكرها الشيخ رحمه الله في الرسالة الواسطية؛ لبيان صحة هذه القاعدة.

فالله سبحانه وتعالى أعلم بنفسه وبغيره، فإذا كان كذلك فيجب الوقوف عند ما أخبر عن نفسه وما أعلمنا في كتابه من صفاته وأسمائه؛ لأنه سبحانه وتعالى أعلم بنفسه وهو جل وعلا أعلم بغيره، ثم مع كمال علمه سبحانه وتعالى فهو أكمل بياناً وأكمل صدقاً، فهو سبحانه وتعالى أحسن حديثاً، وأصدق قيلاً، فهذه الصفات الثلاث توجب الوقوف على ما في كتاب الله عز وجل، وأنه لا يجوز للعبد أن يتجاوز كتاب الله فيما وصف به نفسه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015