تاريخ ظهور بدعة الجهمية في الأسماء والصفات

قال رحمه الله: [ثم لما عربت الكتب الرومية في حدود المائة الثانية زاد البلاء مع ما ألقى الشيطان في قلوب الضلال ابتداءً من جنس ما ألقاه في قلوب أشباههم.

ولما كان في حدود المائة الثالثة انتشرت هذه المقالة التي كان السلف يسمونها مقالة الجهمية بسبب بشر بن غياث المريسي وطبقته، وكلام الأئمة مثل مالك وسفيان بن عيينة وابن المبارك وأبى يوسف والشافعي وأحمد وإسحاق والفضيل بن عياض وبشر الحافي وغيرهم في هؤلاء كثير في ذمهم وتضليلهم.

وهذه التأويلات الموجودة اليوم بأيدي الناس مثل أكثر التأويلات التي ذكرها أبو بكر بن فورك في كتاب التأويلات وذكرها أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي في كتابه الذي سماه (تأسيس التقديس) ، ويوجد كثير منها في كلام خلق كثير غير هؤلاء مثل أبي علي الجبائي وعبد الجبار بن أحمد الهمداني وأبي الحسين البصري وأبي الوفاء بن عقيل وأبي حامد الغزالي وغيرهم، هي بعينها التأويلات الذي ذكرها بشر المريسي في كتابه، وإن كان قد يوجد في كلام بعض هؤلاء رد التأويل وإبطاله أيضاً.

ولهم كلام حسن في أشياء، وإنما بينت أن عين تأويلاتهم هي عين تأويلات بشر المريسي، ويدل على ذلك كتاب الرد الذي صنفه عثمان بن سعيد الدارمي رحمه الله أحد الأئمة المشاهير في زمان البخاري , صنف كتاباً سماه: (نقض عثمان بن سعيد على الكاذب العنيد فيما افترى على الله في التوحيد) ، حكى فيه هذه التأويلات بأعيانها عن بشر المريسي بكلام يقتضي أن المريسي أقعد بها وأعلم بالمنقول والمعقول من هؤلاء المتأخرين الذين اتصلت إليهم من جهته، ثم رد ذلك عثمان بن سعيد بكلام إذا طالعه العاقل الذكي، علم حقيقة ما كان عليه السلف، وتبين له ظهور الحجة لطريقهم وضعف حجة من خالفهم] .

بعد أن قرر الشيخ رحمه الله فيما سبق أصل مقالة التعطيل للصفات، وأنها مأخوذة عن اليهود والمشركين وضلال الصابئين والفلاسفة، وبين مذهب الصابئين في باب أسماء الله عز وجل وصفاته، وبين صلة أئمة الضلال والانحراف في باب أسماء الله عز وجل بهذه الفرق والطوائف الضالة.

فانتقل إلى بيان التسلسل التاريخي لهؤلاء فقال: (ثم لما عربت الكتب الرومية واليونانية في حدود المائة الثانية زاد البلاء) فاجتمع شر إلى شر، الشر الأول: وهو التلقي عن هؤلاء قبل أن تعرب الكتب، والشر الثاني: هو تعريب كتب اليونان والروم فيما يتعلق بالعلوم الإلهية، فزاد البلاء (مع ما ألقى الشيطان في قلوب الضلال ابتداء) ، يعني ما كان في قلوبهم من الشبه والريب التي جاءت هذه الكتب فقعدتها وقررتها ونظرتها؛ فكانت هذه الكتب بمثابة التقرير والتقعيد والتنظير لتلك الشبه التي قرت في قلوبهم وتلقوها عن الضلال من الصابئين واليهود والمشركين والفلاسفة وغيرهم.

قال: (ولما كان في حدود المائة الثالثة انتشرت هذه المقالة) ، وهي مقالة التعطيل ومقالة الجهل والنفي والتحريف في باب أسماء الله عز وجل وصفاته، (التي كان السلف يسمونها مقالة الجهمية) نسبة إلى الجهم بن صفوان (بسبب بشر بن غياث المريسي وطبقته) ممن سار على طريقته وسلك منهجه في باب تعطيل الله جل وعلا عن أسمائه وصفاته.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015