قال رحمه الله: [ويقول الآخر منهم: لقد خضت البحر الخضم، وتركت أهل الإسلام وعلومهم، وخضت في الذي نهوني عنه، والآن إن لم يتداركني ربي برحمته فالويل لفلان، وها أنا أموت على عقيدة أمي] اهـ.
وهذا النقل نقل مهم، وهو عن إمام كبير من أئمة المتكلمين، وهو إمام الحرمين أبو المعالي الجويني فيقول: (لقد خضت البحر الخضم) وهو ما يتعلق بالله عز وجل وأسمائه وصفاته، (وتركت أهل الإسلام وعلومهم) ، يشير بذلك إلى علماء السلف من أهل القرون المفضلة ومن سار على هديهم من بعدهم، (وخضت في الذي نهوني عنه) وهو علم الكلام الذي نهى عنه السلف.
(والآن) يعني: بعد هذه الجراءة بخوض هذا البحر وترك ما كان عليه سلف الأمة (إن لم يتداركني ربي برحمته فالويل لفلان، وها أنا أموت على عقيدة أمي) .
وهذا يفيدك فائدة عظيمة: أنه على طول بحث المتكلمين وعلى عظم خوضهم في هذا الباب، أنهم لا يصلون إلى شيء يصح أن يعتقد، وعلى أحسن الأحوال تنتهي بهم الأمور إلى أن يعتقدوا ما يعتقده العجائز اللواتي لم يتفقهن تفقهاً تاماً فيما يتعلق بالله عز وجل وأسمائه وصفاته.
إذاً: نهاية ما يصل إليه أهل الكلام في بحثهم ودراستهم ونظرهم هو أول نقطة يبتدئ منها أهل السنة والجماعة، والعلماء الذين سلكوا طريق السلف؛ فعلماء السلف يبتدئون من النقطة التي ينتهي إليها أولئك، وشتان بين من كانت خاتمته هي بداية غيره وأن يعتقد عقيدة عوام أهل الإسلام، وبين من كان ابتداؤه أن يعتقد عقيدة عوام أهل الإسلام ثم يصل إلى المعارف والعلوم التي يفتح الله بها عليه مما أدركه سلف هذه الأمة وعلموه.