فلما اختلفوا في هذه المسألة ذكرها الشيخ رحمه الله في كلامه فقال: (وإن الله عز وجل في كل مكان، وجحدوا أن يكون على عرشه كما قال أهل الحق) ويلزم على القولين: على قول من نفى أنه داخل العالم وخارجه، وقول من أثبت أنه في كل مكان؛ يلزم على القولين لوازم باطلة، وهم إنما فروا من إثبات العلو؛ لأنهم ادعوا أنه يلزم على إثبات العلو لوازم باطلة، لكن يقال لهم في الجواب: إن ما فررتم إليه من أنه سبحانه وتعالى ليس في مكان أو أنه في كل مكان يلزم عليه من اللوازم الباطلة أكثر مما توهتموه في إثبات العلو، فإن إثبات العلو لله عز وجل لا يلزم عليه أي لازم باطل, إذ إن كلامه سبحانه وتعالى هو كما قال عنه سبحانه: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت:42] فكلامه محكم لا باطل فيه.
ثم قال الشيخ: (وجحدوا أن يكون الله على عرشه كما قال أهل الحق، وذهبوا في الاستواء إلى القدرة) يعني: في تفسير الاستواء إلى قدرته، (وقالوا: إنه استوى على العرش، يعني: قدر عليه) وهذا معنى قولهم: استولى, ثم قال الشيخ في مناقشة هذا التأويل الباطل: (فلو كان كما ذكروه) يعني: لو كان معنى الاستواء الاستيلاء فـ (لا فرق بين العرش والأرض السابعة؛ لأن الله قادر على كل شيء) أي: على العرش وعلى الأرض السابعة، فهو مستولٍ على العرش وعلى غيره فلا فرق.
قال: (فالله قادر عليها وعلى الحشوش وعلى كل ما في العالم، فلو كان مستوياً على العرش بمعنى الاستيلاء -وهو عز وجل مستولٍ على الأشياء كلها- لكان مستوياً على العرش، وعلى الأرض، وعلى السماء، وعلى الحشوش، وعلى الأقذار؛ لأنه قادر على الأشياء مستولٍ عليها) فلا معنى لتخصيص الاستواء بالعرش في سبع آيات من كتابه.
قال: (وإذا كان قادراً على الأشياء كلها، ولم يجز عند أحد من المسلمين أن يقول: -يعني: أن يقول القائل- إن الله مستوٍ على الحشوش والأخلية، لم يجز أن يكون الاستواء على العرش الاستيلاء الذي هو عام في كل شيء، فلما كان من الممكن عند أهل الإسلام أن يقولوا: إن الله مستوٍ على الحشوش وعلى الأخليه دل ذلك على أن معنى الاستواء المذكور في كتابه والذي خص به العرش ليس هو معنى الاستيلاء الذي هو ثابت على كل شيء، ووجب أن يكون معنى الاستواء يختص بالعرش دون الأشياء كلها، وذكر دلالات من القرآن والحديث والإجماع والعقل) يعني: على ما قرره من أن الاستواء ليس معناه: الاستيلاء، وأن تفسير الاستواء بالاستيلاء باطل.