قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: [وهذا القول إذا تدبره الإنسان وجده في غاية الجهالة، بل في غاية الضلالة.
كيف يكون هؤلاء المتأخرون -لا سيما والإشارة بالخلف إلى ضرب من المتكلمين- الذين كثر في باب الدين اضطرابهم، وغلظ عن معرفة الله حجابهم، وأخبر الواقف على نهاية إقدامهم بما انتهى إليه من مرامهم حيث يقول: لعمري لقد طفت المعاهد كلها وسيرت طرفي بين تلك المعالم فلم أر إلا واضعاً كف حائر على ذقن أو قارعاً سن نادم وأقروا على أنفسهم بما قالوه متمثلين به أو منشئين له فيما صنفوه من كتبهم، كقول بعض رؤسائهم.
نهاية إقدام العقول عقال وأكثر سعي العالمين ضلال وأرواحنا في وحشة من جسومنا وحاصل دنيانا أذى ووبال ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تشفي عليلاً ولا تروي غليلاً، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن؛ أقرأ في الإثبات: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] ، {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر:10] ، وأقرأ في النفي: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] ، {وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه:110] ، ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي] .
مازال الكلام في هذه المقدمة المباركة حول تقرير صحة مذهب السلف وبيان بطلان ما سلكه الخالفون من الخلف؛ فيما غايروا فيه طريقة السلف وخالفوهم فيه في باب أسماء الله تعالى وصفاته، فذكر الشيخ رحمه الله بطلان طريقة الخلف، وأنها لا توصل إلى علم، وأن قولهم: (إن طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم) ، غير صحيح، وأن ما وصل إليه هؤلاء وما حصلوه من سعيهم وسبيلهم وطريقهم ضلال، فقال رحمه الله: (كيف يكون هؤلاء المتأخرون -لا سيما والإشارة بالخلف إلى ضرب من المتكلمين- الذين كثر في باب الدين اضطرابهم وغلظ عن معرفة الله حجابهم) ، ثم ساق من الأقوال التي نطقوا بها وتكلموا بها واستشهدوا بها على بيان سوء حالهم، وأنهم لم يصلوا بعد سعيهم ونظرهم إلا إلى ضلال وعطب، فيكون هذا دليلاً على بطلان طريقتهم.
وأما قوله رحمه الله (من المتكلمين) فالمتكلمون: هم كل من تكلم في أسماء الله وصفاته بما يخالف الكتاب والسنة، فهذا ضابط أو تعريف ينتظم المتكلمين.
وذكر الشيخ رحمه الله نقولاً منها: النقل الأول والثاني وما سينقله أيضاً، وكلها تبين سوء حال هؤلاء وسوء عاقبتهم، فقال رحمه الله بعد ذلك: (وأقروا على أنفسهم بما قالوه) يعني بما أخبروا به مما حصلوه (متمثلين به) أي: منزلين تلك الأقوال على حالهم، (أو منشئين له) أي: إنهم قالوا قولاً مبتدعاً في بيان سوء عاقبتهم، وأنهم لم يصلوا في بحثهم وطلبهم معرفة الله عز وجل إلى شيء.