الواجب لزوم أدلة الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح في باب الصفات وغيره

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: فهذا هو الدرس الأول من دروس شرح (الفتوى الحموية الكبرى) لشيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية رحمه الله تعالى.

[سئل شيخ الإسلام العالم الرباني تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية رحمه الله تعالى: ما قول السادة العلماء أئمة الدين في آيات الصفات كقوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] وقوله: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} [فصلت:11] إلى غير ذلك من آيات الصفات وأحاديث الصفات كقوله: صلى الله عليه وسلم (إن قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن) ، وقوله: (يضع الجبار قدمه في النار) إلى غير ذلك، وما قالت العلماء فيه؟ وابسطوا القول في ذلك مأجورين إن شاء الله تعالى.

فأجاب رضي الله عنه ورحمه: الحمد لله رب العالمين؛ قولنا فيها: ما قاله الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان، وما قاله أئمة الهدى بعد هؤلاء الذين أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم، وهذا هو الواجب على جميع الخلق في هذا الباب وغيره، فإن الله سبحانه وتعالى بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق؛ ليخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد، وشهد له بأنه بعثه داعياً إليه بإذنه وسراجاً منيراً، وأمره أن يقول: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف:108]] .

تبين مما تقدم أن هذه الرسالة جواب عن سؤال ورد إلى شيخ الإسلام رحمه الله، عن صفات الله جل وعلا، وما الواجب فيها؟ وهذه الرسالة تدور على الجواب عن إشكالات أوردها السائل، وفصل في جوابها شيخ الإسلام رحمه الله، وابتدأ جوابه بقاعدة مهمة أساسية هي بمثابة التوطئة لجميع الإشكالات التي ترد في هذا الباب، وهو ما بينه رحمه الله في قوله: (قولنا فيها ما قال الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، وما قاله أئمة الهدى بعد هؤلاء) .

فبين رحمه الله أن القول في باب الصفات موقوف على ما جاء عن الله جل وعلا وعن نبيه صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه سلف الأمة من القرون المفضلة ومن سار على طريقهم واهتدى بهديهم إلى يوم الدين.

فهذه القاعدة هي قاعدة أساسية كلية في باب ما يُعتقد في الله جل وعلا؛ لأن الإخبار عن الله جل وعلا إخبار عن أمر غيبي، والخبر الغيبي لا تدركه العقول ولا تستقل بمعرفته، فلابد في هذا الباب من الرجوع إلى ما أخبر الله سبحانه وتعالى به عن نفسه، وأخبر به نبيه صلى الله عليه وسلم، وما قاله السلف الذين أخذوا من هذين -من الكتاب والسنة- وهم أعلم الناس بمراد الله وبمراد رسوله صلى الله عليه وسلم.

وبدأ الشيخ -رحمه الله- في جوابه بهذه المقدمة الأساسية، فذكر في هذه المقدمة ما يجب اعتقاده، ثم استدل له، وذلك ببيان أن طريقة السلف هي أحسن الطرق، وأنها الطريق الذي توصل إلى معرفة الله جل وعلا، وأنها الطريق التي جاءت بها الرسل، وأن كل طريق يسلكه العبد ليتعرف به على الله جل وعلا غير طريق هؤلاء، فإنه لا يصل إلا إلى ضلال ولا يحصل إلا خبالاً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015