[وقال الأشعري أيضاً في اختلاف أهل القبلة في العرش: قال أهل السنة وأصحاب الحديث: إن الله ليس بجسم، ولا يشبه الأشياء، وإنه استوى على العرش، كما قال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ، ولا نتقدم بين يدي الله في القول، بل نقول: استوى بلا كيف، وأن له وجهاً كما قال: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} ، وأن له يدين كما قال: ((خَلَقْتُ بِيَدَيَّ)) ، وأن له عينين كما قال: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} ، وأنه يجيء يوم القيامة هو وملائكته كما قال: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} ، وأنه تعالى ينزل إلى سماء الدنيا كما جاء في الحديث، ولم يقولوا شيئاً إلا ما وجدوه في الكتاب، أو جاءت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقالت المعتزلة: إن الله استوى على العرش بمعنى استولى، وذكر مقالات أخرى.
وقال أيضاً أبو الحسن الأشعري في كتابه الذي سماه (الإبانة في أصول الديانة) : (وقد ذكر أصحابه أنه آخر كتاب صنفه، وعليه يعتمدون في الذب عنه عند من يطعن عليه، فقال: (فصل في إبانة قول أهل الحق والسنة) .
فإن قال قائل: قد أنكرتم قول المعتزلة، والقدرية، والجهمية، والحرورية، والرافضة، والمرجئة؛ فعرفونا قولكم الذي به تقولون، وديانتكم التي بها تدينون؛ قيل له: قولنا الذي نقول به وديانتنا التي ندين بها: التمسك بكلام ربنا وسنة نبينا، وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، فنحن بذلك معتصمون، وبما كان يقول به أبو عبد الله أحمد بن حنبل -نضر الله وجهه، ورفع درجته، وأجزل مثوبته- قائلون، ولما خالف قوله مخالفون؛ لأنه الإمام الفاضل، والرئيس الكامل، الذي أبان الله به الحق، ودفع به الضلال، وأوضح به المنهاج، وقمع به بدع المبتدعين، وزيغ الزائغين، وشك الشاكين، فرحمة الله عليه من إمام مقدم، وجليل معظم، وكبير مفهم] وهذا يبين أنه رجع عن قوله السابق الواضح في كلام المتقدمين، إلا أنه رحمه الله وغفر له لم يوفق كما ذكرنا إلى إصابة ما كان عليه الإمام أحمد والسلف إصابةً تامةً.