قوله: [وإن مما نعتقد: أن العبد ما دام أحكام الدار جارية عليه فلا يسقط عنه الخوف والرجاء، وكل من ادعى الأمن فهو جاهل بالله، وبما أخبر به عن نفسه {فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف:99] ، وقد أفردت كشف عورات من قال بذلك.
ونعتقد: أن العبودية لا تسقط عن العبد ما عقل وعلم ما له وما عليه، فيبقى على أحكام القوة والاستطاعة؛ إذ لم يسقط الله ذلك عن الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين، ومن زعم أنه قد خرج عن رق العبودية إلى فضاء الحرية بإسقاط العبودية، والخروج إلى أحكام الأحدية المسدية بعلائق الآخرية؛ فهو كافر لا محالة، إلا من اعتراه علة أو رأفة فصار معتوهاً أو مجنوناً أو مبرسماً، وقد اختلط عقله] .
يتكلم الشيخ رحمه الله في هذا المقطع في الرد على الصوفية الغلاة الذين يقولون: إن الإنسان يبلغ درجة من العبودية يسقط فيها عنه التكليف، وهذا كذب وبهتان، فالتكليف لا يسقط عن أحد، بل لقد قال الله لنبيه الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99] ، أي: حتى يأتيك الموت، فالعبادة لا تنقطع إلا بانقطاع الأجل، أما ما دام العرق ينبض والعين تلحظ، والنفس يتردد فإن العبادة لازمة للعبد لا ينفك عنها بحال، (ومن ادعى أنه يخرج عن العبودية إلى فضاء الحرية) يعني: إلى عدم العبادة فهو كافر بإجماع أهل العلم.
وأما قوله: (إلى أحكام الأحدية) فهذا ما يعتقده بعض الصوفية من اتحاد الله جل وعلا ببعض خلقه، فيكون العابد معبوداً والمعبود عابداً، وهذا كذب وبهتان وضلال مبين، نسأل الله السلامة والعافية.
قوله: [وقد اختلط عقله أو لحقه غشية يرتفع عنه بها أحكام العقل، وذهب عنه التمييز والمعرفة، فذلك خارج عن الملة مفارق للشريعة] .
أي: ومن ادعى سقوط أحكام الشريعة عمن توفرت فيه شروط التكليف: فذلك خارج عن الملة.