[ثم قال: ومما ورد به النص أنه حي، وذكر قوله تعالى: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [آل عمران:1] والحديث: (يا حي يا قيوم! برحمتك أستغيث) .
قال: ومما تعرف الله إلى عباده أن وصف نفسه أن له وجهاً موصوفاً بالجلال والإكرام، فأثبت لنفسه وجهاً، وذكر الآيات.
ثم ذكر حديث أبي موسى المتقدم، فقال في هذا الحديث: من أوصاف الله عز وجل لا ينام موافق لظاهر الكتاب: {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} [البقرة:255] ، وأن له وجهاً موصوفاً بالأنوار، وأن له بصراً كما علمنا في كتابه أنه سميع بصير.
ثم ذكر الأحاديث في إثبات الوجه، وفي إثبات السمع والبصر، والآيات الدالة على ذلك.
ثم قال: ثم إن الله تعالى تعرف إلى عباده المؤمنين أن قال: له يدان قد بسطهما بالرحمة، وذكر الأحاديث في ذلك، ثم ذكر شعر أمية بن أبي الصلت، ثم ذكر حديث: (يلقى في النار وتقول: هل من مزيد؟ حتى يضع فيها رجله) ، وهي رواية البخاري، وفي رواية أخرى: (يضع عليها قدمه) .
ثم ما رواه مسلم البطين عن ابن عباس: أن الكرسي موضع القدمين، وأن العرش لا يقدر قدره إلا الله، وذكر قول مسلم البطين نفسه، وقول السدي، وقول وهب بن منبه، وأبي مالك، وبعضهم يقول: موضع قدميه، وبعضهم يقول: واضع رجليه عليه.
ثم قال: فهذه الروايات قد رويت عن هؤلاء من صدر هذه الأمة موافقة لقول النبي صلى الله عليه وسلم، متداولة في الأقوال، ومحفوظة في الصدر، ولا ينكر خلف عن السلف، ولا ينكر عليهم أحد من نظرائهم، نقلتها الخاصة والعامة مدونة في كتبهم، إلى أن حدث في آخر الأمة من قلل الله عددهم، ممن حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مجالستهم ومكالمتهم، وأمرنا أن لا نعود مرضاهم، ولا نشيع جنائزهم، فقصد هؤلاء إلى هذه الروايات فضربوها بالتشبيه، وعمدوا إلى الأخبار فعملوا في دفعها إلى أحكام المقاييس وكفر المتقدمين، وأنكروا على الصحابة والتابعين، وردوا على الأئمة الراشدين، فضلوا وأضلوا عن سواء السبيل] .
ما ذكره في الروايات السابقة غالبه في الصفات الخبرية، وهي الصفات التي أخبر الله سبحانه وتعالى بها عن نفسه، وهي كالوجه، والأصابع، واليدين، والأنامل، والقدم أو الرجل، وما أشبه ذلك من الصفات التي جاءت الأخبار بها، أثبتها أهل السنة والجماعة له سبحانه وتعالى على الوجه الذي يليق به، وليس في ذلك تنقص؛ لأن ما جاء في الكتاب والسنة أحق أن يتبع، ولا يلحقه نقص بوجه من الوجوه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] .
المهم أن الشيخ رحمه الله أخبر بأن سلف الأمة المتقدمين ومن تبعهم ممن سار على طريقهم من المتأخرين يثبتون هذه الصفات الخبرية، ويثبتون أيضاً الصفات التي فيها نفي النقص عنه جل وعلا، فالصفات جاءت على نحوين: صفات مثبتة، وصفات منفية.
الصفات المثبتة: جاءت مفصلة وجاءت مجملة، لكن الأكثر في صفات الإثبات التفصيل كقوله تعالى: {الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ} [الحشر:22] كل هذه صفات ثبوتية مفصلة، وغيرها كثير في كتاب الله سبحانه وتعالى.
وأما الصفات المنفية: فجاءت مجملة وجاءت مفصلة، والأكثر فيها الإجمال؛ لأن التفصيل في صفات النفي لا يدل على الكمال، وإنما أتى النفي إما لبيان كمال الصفة، أو لنفي ما نسب إليه من النقص، وإلا فالأصل في صفات النفي أن تأتي مجملة: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:4] ، {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} [مريم:65] {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] ، أما قوله: {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} [البقرة:255] فهذا نفي مفصل لإثبات كمال الحياة والقيومية {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} [البقرة:255] فهنا لبيان كمال الصفة المذكورة، وكنفي العجز عنه سبحانه وتعالى، فنفي العجز لبيان كمال قدرته جل وعلا.
والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.