وَالثَّانِي: أَنْ يُجَامِعَ وَلَا يَنْزِلَ فَيَغْتَسِلُ، ثُمَّ يَنْزِلُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ نَصَّ عَلَيْهِ. وَهُوَ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْمَشْهُورَةِ لِأَصْحَابِنَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا وُجِدَتْ شَهْوَةٌ بَعْدَ الْوَطْءِ حِينَ الْإِنْزَالِ أَوْ قَبْلَهُ، فَيَكُونُ الْمَنِيُّ قَدِ انْتَقَلَ بِهَا وَشَهْوَةُ الْجِمَاعِ قَصُرَتْ عَنْهُ، فَأَمَّا إِذَا لَمْ تَتَجَدَّدْ شَهْوَةٌ فَهُوَ كَالْمَنِيِّ الْمُنْتَقِلِ إِذَا خَرَجَ بَعْدَ انْتِقَالِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَتَحْقِيقُ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ أَنَّهُ قَدْ نَصَّ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فِي هَذِهِ أَنَّهُ إِنْ خَرَجَ قَبْلَ الْبَوْلِ يَغْتَسِلُ، وَإِلَّا فَلَا، وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ عِنْدَهُ فِي الْمَنِيِّ الْخَارِجِ بَعْدَ الْغُسْلِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ جِمَاعٌ أَوْ بَعْدَ إِنْزَالٍ، وَكَلَامُهُ فِي " هَذِهِ " الْمَوَاضِعِ، وَتَعْلِيلُهُ يَقْتَضِي ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا، وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَهُ مُطْلَقًا، فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ بِتَكَرُّرِ الْوُجُوبِ فِيمَا إِذَا خَرَجَ بَعْدَ انْتِقَالِهِ أَوْ بَعْدَ وَطْئِهِ؛ لِأَنَّهُ مَنِيٌّ تَامٌّ قَدْ خَرَجَ وَانْتَقَلَ بِشَهْوَةٍ دُونَ مَا إِذَا خَرَجَ بَعْضُهُ ثُمَّ خَرَجَتْ بَقِيَّتُهُ حَيْثُ كَانَ الثَّانِي جُزْءًا مِنَ الْأَوَّلِ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الِانْتِقَالِ وَالْخُرُوجِ سَبَبًا، كَمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْوَطْءِ، وَالْإِنْزَالِ سَبَبٌ وَيُمْكِنُ عَلَى هَذَا أَنْ يُقَالَ فِي الْمَنِيِّ الْخَارِجِ بَعْدَ الِانْتِبَاهِ هُوَ الْمُوجِبُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُحْبَسْ، بِخِلَافِ مَنْ أَمْسَكَ ذَكَرَهُ، فَأَمَّا الْوُضُوءُ مِنَ الْخَارِجِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنَ السَّبِيلِ.
فَصْلٌ
وَأَمَّا الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ فَيُوجِبُ الْغُسْلَ، وَهُوَ كَالْإِجْمَاعِ؛ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ ثُمَّ جَهَدَهَا فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِمُسْلِمٍ: " «وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ» ".