وَاسْتُحِبَّ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ أَنْ يَطُوفَ حَلَالًا ثُمَّ يُحْرِمَ بَعْدَ الطَّوَافِ، وَهَذَا الطَّوَافُ لِتَوْدِيعِ الْبَيْتِ لِكَوْنِهِ خَارِجًا إِلَى الْحِلِّ، وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ خَرَجَ إِلَى الْحِلِّ أَنْ يُوَدِّعَ الْبَيْتَ وَأَنْ يُحْرِمَ عَقِبَ الطَّوَافِ، كَمَا اسْتُحِبَّ لِمَنْ يُحْرِمُ بِغَيْرِ مَكَّةَ أَنْ يُحْرِمَ عَقِبَ الصَّلَاةِ، وَمَتَى طَافَ أَحْرَمَ عَقِبَ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ.
وَقَالَ الْأَثْرَمُ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: الَّذِي يُحْرِمُ مِنْ مَكَّةَ مِنْ أَيْنَ يُحْرِمُ؟ قَالَ: إِذَا تَوَجَّهَ إِلَى مِنًى كَمَا صَنَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَعَنِ الْحَسَنِ التَّمِيمِيِّ قَالَ: " قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ إِنِّي تَمَتَّعْتُ فَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُهِلَّ بِالْحَجِّ أَيْنَ أُهِلُّ؟ قَالَ: مِنْ حَيْثُ شِئْتَ، قُلْتُ مِنَ الْمَسْجِدِ؟ قَالَ: مِنَ الْمَسْجِدِ ".
وَعَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَرَبِيٍّ قَالَ: " قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَسَنٌ يَا ابْنَ جَمِيلٍ، فَقُلْتُ: مِنْ أَيْنَ أُهِلُّ وَمَتَى أُهِلُّ؟ قَالَ: مِنْ حَيْثُ شِئْتَ وَمَتَى شِئْتَ " رَوَاهُمَا سَعِيدٌ.
وَوَجْهُ الْأَوَّلِ: أَنَّ كُلَّ مِيقَاتٍ فِيهِ مَسْجِدٌ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْإِحْرَامُ بَعْدَ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِهِ كَمِيقَاتِ ذِي الْحُلَيْفَةِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا أَمَرَهُمْ بِالْإِحْرَامِ إِذَا تَوَجَّهُوا إِلَى مِنًى وَلَمْ يُعَيِّنْ مَكَانًا فِي أَمْرِهِ ; لِأَنَّ بِقَاعَ مَكَّةَ وَالْحَرَمِ مُسْتَوِيَةٌ فِي جَوَازِ الْإِحْرَامِ مِنْهَا، فَأَحْرَمَ مَنْ شَاءَ مِنَ الْأَبْطَحِ، كَمَا أَحْرَمَ خَلْقٌ مِنْ أَصْحَابِهِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَلَمْ يَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ.
وَلَوْ قَدَّمَ الْمُتَمَتِّعُ الْإِحْرَامَ جَازَ ; قَالَ الْفَضْلُ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُتَمَتِّعٍ أَهَلَّ بِالْحَجِّ حِينَ رَأَى هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ؟ فَقَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ ذَلِكَ، ثُمَّ أَخَّرَ ذَلِكَ إِلَى يَوْمِ التَّرْوِيَةِ.