قال رحمه الله: [وقوله: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [المائدة:119] ، وقوله: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ} [النساء:93] ، وقوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ} [محمد:28] ، وقوله: {فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ} [الزخرف:55] ، وقوله: {وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ} [التوبة:46] ، وقوله: {كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف:3]] .
هذه الآيات كلها من الآيات التي تثبت بها صفة الفعل له سبحانه وتعالى، وكلها صفات فعلية يثبتها أهل السنة والجماعة لله عز وجل على وجه الكمال له سبحانه وتعالى، ولا نقص فيها بوجه من الوجوه.
ذكر المؤلف في هذه الآيات ست صفات: الرضا والغضب والسخط والأسف والكره والمقت، وكلها من صفات الفعل وكذلك الانتقام، لكن اعلم أن هذه الصفات قد جرى فيها أهل الكلام على ما جروا عليه من القول في الصفات الفعلية الأخرى من التعطيل والتأويل، فقد تأولوا كل هذه الصفات إما إلى إرادة الثواب أو إرادة العقاب، فالرضا أولوه بإرادة الثواب، والغضب والسخط والمقت والكره والأسف كلها أولوها بإرادة العقاب، وجروا في الصفات الفعلية على هذا النسق.
واعلم أن الجهمية المحضة من المعتزلة ومن سار في طريقهم لا يسمون هذه صفات، إنما يسمونها إضافات، فهم لا يعدونها من آيات الصفات، إنما يعدونها من الإضافات التي يراد بها مفعول الله لا ما يقوم به من صفات، فيقلون: الرضا ثواب، والغضب، والكره، والسخط ما يفعله بالمخالف من العقاب، وهذا ديدنهم، وهذه هي طريقتهم، والصحيح أن نثبت لله عز وجل من الصفات ما أثبته لنفسه، وأن نعلم أن ما ثبت في الكتاب والسنة من صفات لا يمكن أن يتطرق إليها نقص بحال من الأحوال، ولسنا أعلم بالله سبحانه وتعالى من نفسه، ولسنا أحرص على تعظيمه جل وعلا وتنزيهه منه لنفسه، أو من رسوله صلى الله عليه وسلم له، فهم قالوا: الرضا والغضب كلها أمور تقتضي ميلاً، وتقتضي نقصاً لا سيما الغضب؛ لأنه غليان دم القلب، فأولوه بإرادة السخط.
والجواب عليهم كالجواب الذي قدمناه في صفتي المحبة والرحمة.
وأما قوله: {فَلَمَّا آسَفُونَا} [الزخرف:55] ، فقد فسرها ابن عباس رضي الله عنه بالغضب، يعني: فلما أغضبونا، وكذا فسرها ابن قتيبة، فقال: الأسف الغضب، وليس المراد بالأسف هنا الحزن، فإنه لا يوصف به سبحانه وتعالى، وليس من صفاته.