قال رحمه الله: [يتولون أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمهات المؤمنين] .
أزواج: جمع زوج، والنبي صلى الله عليه وسلم له عدة زوجات، مات عن تسع، والذين تزوجهن إحدى عشرة امرأة، وهؤلاء كلهن من آله، ولهن خاصية أخرى وهي: أنهن أمهات المؤمنين، دليل ذلك قول الله تعالى: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب:6] أزواجه، أي: أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أمهاتهم، لكن هذا لا يثبت إلا لمن بقي هذا الوصف لها وهو الزوجية، فمن طلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم هل يثبت لها هذا الحكم؟ الجواب: لا، إنما هذا الحكم ثابت لمن مات عنهن أو متن في حياته.
قال رحمه الله: [ويؤمنون بأنهن - أي: زوجاته - أزواجه في الآخرة] .
فهن أزواجه في الدنيا، وأزواجه في الآخرة، وهذا يتضمن الشهادة لهن بالجنة، وبه نعرف أن الشهادة ليست مقيدة بمن ذكرهن رحمه الله، فجميع زوجات النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة؛ لأنهن أزواجه في الدنيا والآخرة، وثبوت وصف الزوجية لهن في الآخرة يدل على تحريمهن على غيره، فلا يجوز لأحد أن يتزوجهن، وقد انتهى الموضوع فقد متن رضي الله عنهن؛ لكن هذا بيان لحكم سابق.
قال: [خصوصاً خديجة] .
بعد أن بين رحمه الله ما اختص به أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، بين من هو أحق بهذا الوصف منهن، واعلم أن كل من خص بخصيصة فإنه خص لمعنى، ولم يخص بمجرد التخصيص؛ لأننا نؤمن بأن الله سبحانه وتعالى حكيم كما قال جل وعلا: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام:124] ، فالله أعلم حيث يجعل الفضل: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد:21] ، أزواجه اللواتي توفي عنهن صلى الله عليه وسلم هن: عائشة، وحفصة، وسودة، وزينب، وأم سلمة، وأم حبيبة، وصفية، وجويرية، وميمونة، تسع زوجات، ومات عنه: خديجة، وزينب بنت خزيمة رضي الله عنهن، فمات عنه زوجتان، ومات صلى الله عليه وسلم عن تسع زوجات، والحق ثابت لجميعهن، فقوله: [ويتولون أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين، ويؤمنون بأنهن أزواجه في الآخرة] هذا ثابت للجميع: من مات عنهن، ومن متن عنه.
قال: [خصوصاً خديجة] .
يعني: أحقهن بما ذكر من التولي والمكانة والاحترام، وكونها أيضاً زوجة له في الآخرة خديجة رضي الله عنها.
وجه التخصيص قال: [أم أكثر أولاده] هذا واحد.
[وأول من آمن به وعاضده على أمره] هذا اثنين.
[وكان لها منه المنزلة العالية] في حياتها وبعد موتها، فهذا وجه تخصيصها رضي الله عنها بهذا الفضل دون غيرها من الزوجات.
قال: [والصديقة بنت الصديق] الصديقة بنت الصديق هذا معطوف على خديجة رضي الله عنها التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام) ، الثريد هو الخبز مع اللحم، وهو أفضل الطعام؛ لكون الخبز من البر وهو أفضل الطعام، ولكون اللحم من الأدم وهو أفضل الإدام؛ ولذلك كان أفضل الطعام، فـ عائشة رضي الله عنها فضلها على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام، وهذا تفضيل عائشة على أزواجه صلى الله عليه وسلم، وقد وقع الخلاف في أيهما أفضل عائشة أو خديجة؟ والقول الفصل في ذلك أن عائشة رضي الله عنها باعتبار ما جرى منها من نشر العلم وحفظ الشريعة هي أفضل من هذا الجانب، وأما خديجة فباعتبار ما كان منها في أول الإسلام من نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتأييده وتثبيته وإعانته وإمداده هي أفضل، فكل منهما لها فضل من وجه، وكلهن فاضل رضي الله عنهن.