ومن الفضائل التي وردت في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فضائل خاصة، وهذه الفضائل الخاصة تنقسم إلى قسمين: فضائل عامة يعني: هي خاصة لكن ليست خاصة بمعين بل يشركه فيها غيره، مثل قول الله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح:18] هذه الفضيلة هل هي عامة لجميع الصحابة؟ لا، لجماعة منهم، لكن هل هي في واحد منهم أو في المجموع؟ في المجموع، فهذه فضيلة خاصة لكنها ليست خاصة بمعين، بشخص معين، بشخص واحد لا يشركه فيها غيره، بل هي خاصة في جماعة، فهي من حيث عدم عمومها لجميعهم خاصة، ولكنها لا ينفرد بها واحد منهم، وغالب ما ورد في فضائل الصحابة من هذا النوع، فالفضائل الخاصة غالب ما ورد فيها من فضائل لا على وجه الانفراد.
القسم الثاني من الفضائل الخاصة هي التي اختص بها بعضهم، وانفرد بها عن غيره من الصحابة، وهذا أكثره في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فإن فضائلهما تميزت بأنهما قد انفردا فيها عن غيرهما من الصحابة، فقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر) هذه خاصة بهما، لم يشركهما فيها غيرهما، وأكثر الفضائل الخاصة وردت في أبي بكر، فإن له من الفضائل الخاصة التي انفرد بها عن سائر الصحابة ما ليس لغيره حتى ولا عمر، لكن عمر شاركه في الاختصاص في فضائل، لكن نصيب أبي بكر رضي الله عنه منها أوفر، فاضبط هذا التقسيم للفضائل.
ثم اعلم أن مراتبهم رضي الله عنهم تنقسم إلى قسمين: مراتب على وجه العموم، ومراتب على وجه الأفراد.
أما على وجه العموم فهو ما ذكره رحمه من تفضيل من أنفق من قبل الفتح وقاتل على غيره من الصحابة، وهذا تفضيل مرتبي على وجه العموم، فيفضل أهل السنة والجماعة من أنفق من قبل الفتح وقاتل -والفتح هو صلح الحديبية- على من أنفق من بعده وقاتل، ويقدمون المهاجرين على الأنصار، وهذا تفضيل جملة، وليس تفضيل أفراد.
قال رحمه الله: ويؤمنون بأن الله قال لأهل بدر وكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر: (اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) ، وهذه فضيلة خاصة حتى في المهاجرين، فهي للمهاجرين والأنصار الذين حضروا بدراً، فهذا تخصيص بعد تخصيص، فالتفضيل العام الأول: من أنفق من قبل الفتح وقاتل، والثاني: تفضيل المهاجرين والأنصار، والثالث: تفضيل أهل بدر على غيرهم؛ وبأنه لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة) ، بل قد رضي الله عنهم ورضوا عنه كما قال تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} ، وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة، وهذا عدد كبير أثبت الله لهم الفضل بالرضا.
وبهذا نعلم ضلال الرافضة والخوارج حيث كفروا غالب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو فسقوهم وضللوهم، وقالوا: إن هذه الفضائل هي لمن بقي على الإسلام بعد النبي صلى الله عليه وسلم، قلنا لهم: كم الذين بقوا على الإسلام بعد النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: خمسة عشر، وإن تجاوزا أبلغوهم إلى عشرين، فهم لا يتجاوزون بضعة عشر رجلاً عندهم، وهؤلاء هم الذين نزلت فيهم هذه الفضائل!! فالجواب عليهم أن يقال: كيف يمدح الله مدحاً عاماً ويثبت رضاً عاماً لقوم يعلم أن خاتمتهم الكفر؛ ولذلك مضمون قول هؤلاء القدح في الكتاب والسنة.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: وباطن مذهب هؤلاء الطعن في الرسالة؛ ولذلك المسألة خطيرة فيما يتعلق بصحابة رسول الله، فهي تتعلق بإبطال نقلة الكتاب والسنة، فإذا كان القرآن لم يثبت إلا عن طريق كفرة، فكيف تعمل الأمة به وهو الكتاب المحفوظ؟ وأهل السنة والجماعة يقولون: إنه محفوظ منقولة حروفه بالتواتر، حتى حروفه يعني: ليس فقط جملة الكتاب، بل الحروف منقولة بالتواتر.