قال: [ويؤمنون بعذاب القبر ونعيمه] ، وفهمنا من هذا أن القبر -وهو مدفن الميت- يكون فيه تنعيم وتعذيب، وهذا النعيم وهذا العذاب يكون لكل أحد ممن مات سواء قبر أو لم يقبر، قبض أو لم يقبض، فإضافة الفتنة والعذاب للقبر بناءً على الغالب، وهو أن غالب بني آدم إذا ماتوا يقبرون، ولكن لو قدر أن أحداً لم يقبر: غرق، أو أكلته السباع، أو احترق وذرته الرياح فإنه يسأل، ويفتن في أي مكان كان، ويجري عليه العذاب أو النعيم الذي يكون للمقبور.
وعذاب القبر ونعيمه أمر دل عليه الكتاب والسنة، وأجمع عليه سلف الأمة، فإن السلف أجمعوا على أن الميت في قبره إما أن يكون في نعيم وإما أن يكون في عذاب، والعذاب يكون على الروح أصلاً وقد يتبعه البدن، يعني: وقد يظهر أثر التنعيم أو التعذيب في البرزخ في القبر على البدن، لكن أصل التنعيم والتعذيب هو للروح، وقد جاء في كتاب الله عز وجل ما يدل على عذاب القبر: ومن ذلك ما ذكره الله جل وعلا عن قوم فرعون حيث قال: {وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ} [غافر:45] ، هذا في الدنيا، {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} [غافر:46] ، هذا في الحياة البرزخية، {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:46] ، وهذه آية ظاهرة واضحة في ثبوت العذاب في البرزخ، وذلك أنهم يعرضون على النار في الغدو والعشي، أي: في الصباح في أول النهار وفي آخره.
ومما يدل أيضاً على عذاب القبر ما ذكره الله سبحانه وتعالى عن قوم نوح حيث قال: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا} [نوح:25] ، أغرقوا هذا في الدنيا، {فَأُدْخِلُوا نَارًا} [نوح:25] ، هذا في الحياة البرزخية، والأدلة متعددة عند التأمل يجدها الإنسان في كتاب الله عز وجل، وهي تدل على العذاب في القبر.
وأما السنة ففيها أحاديث كثيرة مستفيضة متواترة تدل على ثبوت العذاب لأهل القبور كما تدل على تنعيم أهل القبور.
ومما يذكر هنا أن العذاب الذي يكون في القبر على نوعين: عذاب دائم، وعذاب منقطع.
أما العذاب الدائم فنظير ما أخبر الله سبحانه وتعالى به عن آل فرعون حيث قال جل وعلا: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} [غافر:46] ، إلى متى؟ إلى قيام الساعة؛ ولذلك قال: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:46] ، فلم يذكر أمداً ينتهي إليه هذا العرض وهذا التعذيب، فدل ذلك على دوامه، نعوذ بالله منه! النوع الثاني من عذاب القبر: عذاب منقطع، وهو بقدر ما يكون مع الإنسان من المعصية، كما يعذب أهل النار من أهل التوحيد في النار بقدر سيئاتهم وذنوبهم حتى يمحصوا ثم يخرجون منها.
واعلم أن العذاب في القبر مما يخفف به على الإنسان إن كان من أصحاب المعاصي، فإنه قد يعذب في القبر ولا يعذب يوم القيامة، وقد يعذب في القبر ويعذب يوم القيامة.