ولفظ القرب في كتاب الله عز وجل وفي السنة ورد على حالين: ورد بصيغة الإفراد، وورد بصيغة الجمع، فمن صيغة الإفراد قول الله سبحانه وتعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} [البقرة:186] ، فأضاف القرب إلى نفسه بصيغة الإفراد سبحانه وتعالى، ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته) ، وورد أيضاً وصف القرب بصيغة الجمع وذلك في قوله سبحانه وتعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق:16] ، وقوله تبارك وتعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ} [الواقعة:85] ، فهل كل هذا القرب مضاف إلى الله سبحانه وتعالى؟ بعض العلماء قال: نعم، القرب بصيغة الإفراد والجمع كله مضاف إليه سبحانه وتعالى، وعليه فسروا القرب في هذه المواضع كلها بقرب العلم والقدرة.
والصحيح: أن الرب سبحانه وتعالى في كتابه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم في سنته لم يصف الله سبحانه وتعالى بالقرب على وجه العموم، فلم يرد أنه من كل شيء قريب كما ورد في نصوص المعية، إنما ورد ذلك خاصاً، فقول الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة:186] ، هذا قرب من الداعي، فهو قرب خاص، وليس قرباً من كل أحد.
وقول عنه الصحابة: (يا رسول الله! أربنا قريب فنناجيه أم بعيد فنناديه؟) ما الذي سألوا عنه؟ هل سألوا عن قرب العلم والقدرة؟ هل كانوا يشكون في أنه قريب منهم قدرة وعلماً؟ لا.
إنما سألوا عن القرب الخاص، وهو قربهم من الداعي؛ ولذلك قالوا: أقريب فنناجيه أم بعيد فنناديه؟! فأنزل الله سبحانه وتعالى هذه الآية: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة:186] ، وهذا مما يبطل قول من قال: القرب معناه العلم؛ لأن الصحابة لم يشكوا في أن الله بهم عليم، ولا أنه جل وعلا عليهم قدير، فهم يؤمنون بأن الله بكل شيء عليم، وأن الله على كل شيء قدير، إنما سألوا عن قربه من عبده في هذه الحالة.
وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد) ، فهذا فيه إثبات القرب الخاص، وهو قربه من الساجد العابد.
كذلك دنوه سبحانه وتعالى من أهل الموقف يوم عرفة دنو خاص، وليس دنواً عاماً، وقرب خاص وليس قرباً عاماً، فهو دنو من أهل الموقف دون غيرهم، وكذلك نزوله في الثلث الأخير من الليل، وإن كانت الأمثلة السابقة أوضح وأجلى ولا مجال فيها للمناقشة؛ لأنها مقيدة.