وبعد أن ذكر الشيخ رحمه الله الإيمان على وجه الإجمال انتقل إلى التفصيل، ولكن نقف عند ما يتضمنه الإيمان المجمل في هذه الأصول الستة، فالإيمان بالله يتضمن: الإيمان بوجوده الإيمان بربوبيته الإيمان بأسمائه وصفاته الإيمان بإلاهيته جل وعلا، وأهم هذه الأمور وأصلها الذي لا يقر الإيمان ولا يستقيم إلا به، هو الإيمان بإلاهيته؛ لأنه يتضمن جميع أنواع التوحيد الأخرى؛ ولذلك قال شيخ الإسلام رحمه الله في توحيد الإلهية: وهو قلب الإيمان وأوله وآخره.
كيف أوله؟! لا يدخل إنسان الإسلام إلا بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وآخره: أن من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة، فهذا يدل على عظم هذا النوع من التوحيد، وعلى أهميته، وعلى شدة الحاجة إليه، ومن استقام له هذا النوع فإن توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات تابع له؛ لأنه يتضمن ويستلزم هذين النوعين.
والإيمان بالملائكة يتضمن الإيمان بما أخبر الله عنهم في كتابه من أنهم مخلوقون من نور، وأنهم مربوبون متعبدون لله جل وعلا، والإيمان بما ذكر من أسمائهم وأوصافهم وأعمالهم وأحوالهم، وكل هذا يندرج تحت بالملائكة، والإيمان بمن ذكر الله اسمه منهم كجبريل وإسرافيل وميكائيل، وأن من لم يسمه الله لنا منهم أكثر ولا يحصيهم إلا الله، والملائكة من عالم الغيب، هذا المعنى العام للملائكة وما يتضمنه الإيمان بهم.
والكتب: جمع كتاب، والإيمان بالكتب يتضمن: الإيمان بأن الله عز وجل أنزل إلى رسله كتبه، منها ما ذكره في كتابه، ومنها ما لم يذكره، وأنه سبحانه وتعالى تكلم بهذه الكتب، فكل كتاب أنزله فقد تكلم به كلاماً حقيقياً، والإيمان بما سماه الله من هذه الكتب كالإنجيل والتوراة والزبور، هذا ما يتضمنه الإيمان بالكتب عموماً.
والقرآن أخص هذه الكتب وألزمها إيماناً؛ لأنه الكتاب الذي اختصت به هذه الأمة، فتميز عن غيره من الكتب بوجوب تصديق أخباره، ووجوب الانقياد لأحكامه، وهذا ليس من لازم الإيمان بالتوراة، ولا من لازم الإيمان بالإنجيل، ولا بغيرهما من الكتب، بل هو مما اختص به الإيمان بالقرآن.
والإيمان بالرسل يتضمن: الإيمان بأن الله عز وجل أرسل إلى خلقه رسلاً، سمى لنا منهم من سمى، وهم عدد لا يحصيه إلا الله جل وعلا، وأشرفهم وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم، والواجب الإيمان بالجميع: من سماهم الله لنا منهم ومن لم يسمه.
والبعث بعد الموت -أيضاً- من أصول الإيمان، وهذا الإيمان يتضمن الإيمان بكل ما أخبر به الله عز وجل، وأخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت، وسيأتي تفصيل هذا النوع من أركان الإيمان وأصوله في هذه الرسالة.
والإيمان بالقدر خيره وشره هو الإيمان بأنه ما من شيء إلا بقضاء الله جل وعلا وقدره، وسيأتي تفصيل هذا النوع من الإيمان، وما يتضمنه من مراتب في هذه الرسالة المباركة.
هذا هو الإيمان المجمل الذي افتتح به الشيخ رحمه الله هذه الرسالة المباركة، ثم بعد ذلك انتقل إلى التفصيل، وابتدأ في التفصيل بذكر ما يتضمنه الإيمان بالله تعالى، فقال رحمه الله: (ومن الإيمان بالله الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه) إلى آخر ما قال.