أما أهل التحريف وأهل التعطيل فقالوا: إن معنى الرجل هنا هو الجماعة من الناس، ومن أين أتوا بهذا المعنى؟ قالوا: إن الرجل يطلق على الجماعة من الجراد، كما أنك تقول لجماعة الطير: سرب، فتقول لجماعة الجراد: رجل، فيكون معنى: (حتى يضع رب العزة فيها رجله) أي: جماعة من الناس يتهافتون في النار كتهافت الجراد على النار.
فنقول: هذا المعنى -أيها المحرفون- من سبقكم إليه من سلف الأمة؟ أعطونا واحداً من الصحابة أو من التابعين أو من تابعيهم من أئمة السلف قال بهذا القول، قالوا: اللغة دلت على هذا، فنقول: لا بأس، هذا المعنى قد يكون موجوداً في اللغة، لكن نحن نتلقى السنة لفظاً ومعنىً عن الصحابة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أنزل عليه القرآن وأنزل عليه الذكر ليبينه للناس، فهو قد بلغ لفظه ومعناه، والله سبحانه وتعالى حفظ للأمة الألفاظ والمعاني فقال سبحانه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9] ، والحفظ ليس فقط حفظ اللفظ إنما حفظ اللفظ والمعنى؛ ولذلك ما تلقته الأمة بالقبول عن الرسول صلى الله عليه وسلم من المعاني الظاهرة لا يجوز الانصراف عنه إلى مثل هذه الإرادات الواهية.
فنقول: الرجل معلومة عند العرب، وما ذكرتموه استعارة وتشبيه، والأصل في الكلام هو الحقيقة لا المجاز.
وقوله: (حتى يضع رب العزة عليها قدمه) ، قالوا: القدم هو: اسم لمن قدمهم الله عز وجل في النار، فيكون واقعاً على الجماعة، وقالوا أيضاً: القدم: هم اسم لمن تقدم في علم الله أنهم من أهل النار.
كل هذا -يا إخوة- تحريف وفرار مما دلت عليه النصوص وسلم له صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتلقته الأمة بالقبول، ولو أنهم اكتفوا بالنصوص، وعدلوا عن هذا الانحراف وعن هذه الشبه لسلموا ولسلكوا طريق أهل السنة والجماعة.