والعجب من الصفات الفعلية الاختيارية التي تقتضي الرضا والإثابة وعظيم الأجر لمن تعجب منه سبحانه وتعالى، واعلم أنهم نفوا العجب عنه سبحانه وتعالى، وقالوا: لأن العجب جهل بالسبب، فالعجب يكون من الجهل بأسباب الشيء، والله سبحانه وتعالى ليس جاهلاً بشيء، بل هو سبحانه وتعالى العليم الخبير.
فالجواب على هذه الشبهة أن يقال: العجب له أسباب، منه ما يكون ناشئاً عن جهل من المتعجب، وهذا ينزه عنه الرب سبحانه وتعالى، ومنه ما يكون لا عن جهل بل عن تعظيم للمتعجب منه لخروجه عن نظائره وأمثاله، فالشيء إذا خرج عن نظائره وأمثاله يتعجب منه ولو علم السبب وعرف، وهذا هو المعنى الثابت في عجبه سبحانه وتعالى، فالعجب المضاف إليه عجب يعظم فيه سبحانه وتعالى ما يشاء من عباده، ومن الأفعال والطاعات.
فقوله: (عجب ربنا من قنوط عباده) هنا تعظيم لحال هؤلاء، وليس المراد أنه جهل بالسبب، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
والمحرفون المؤولون المبطلون قالوا: إن العجب هنا بمعنى الرضا.
ثم نقول لهم: أنتم قد أولتم صفة الرضا وقلتم: الرضا هو إرادة الثواب، وكل صفة يحرفونها إلى صفة أخرى، وإذا نظرنا في الصفة التي يثبتونها حرفوها إلى صفة أخرى، وكل ذلك فراراً مما أثبته الله سبحانه وتعالى لنفسه.
وفي هذا أيضاً إثبات الضحك وهو صفة فعلية تقدم الكلام عليها، لكن انظر إلى الفارق بين هؤلاء وبين الصحابة الذين سلمت فطرهم، وزكت عقولهم، وسلمت قلوبهم من هذه التحريفات والتشبيهات، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال هذا الحديث: (عجب ربنا من قنوط عباده، وقرب غيره، ينظر إليكم أزلين قنطين؛ فيظل يضحك يعلم أن فرجكم قريب) قال أبو رزين العقيلي رضي الله عنه وهو من الأعراب: (أو يضحك ربنا يا رسول الله؟! قال: نعم، قال: لا عدمنا الخير من رب يضحك) فكيف استدل بهذه الصفة على كمال الرب وإحسانه وبره وجوده؟!! وهم يقولون: إن إثبات هذه الصفة يقتضي النقص.
إنما النقص جاء من عقولهم الفاسدة، وقواعدهم المفترية، وظنونهم الكاذبة، وإلا لو أنهم سلموا للنصوص، وأخلصوا لله عز وجل في طلب الحق؛ لوفقوا إلى خير كثير، والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.