بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد: يقول المصنف رحمه الله: [وقوله: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة:6] ، وقوله: {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة:75] ، وقوله: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ} [الفتح:15] ، وقوله: {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} [الكهف:27] ، وقوله: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [النمل:76] ، وقوله: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ} [الأنعام:92] ، وقوله: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [الحشر:21] ، وقوله: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ * قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ * وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل:101-103]] .
هذه الآيات كلها في إثبات أن القرآن كلام الله سبحانه وتعالى، وقد نوع الشيخ رحمه الله الأدلة الدالة على أن القرآن كلام الله، وهذا الذي عليه سلف الأمة وجمهورهم، فإن عقيدة أهل السنة والجماعة أن القرآن كلام الله سبحانه وتعالى، دل على ذلك فيما ذكره المؤلف إضافة الكلام إليه سبحانه وتعالى، وما يضاف إليه إما أن يكون عيناً مستقلة، فهذه تكون إما إضافة خلق أو إضافة تشريف، من ذلك قوله تعالى: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ} [العنكبوت:56] ، الأرض عين مستقلة قائمة بذاتها، فإضافتها إليه سبحانه وتعالى إضافة خلق أو إضافة تشريف؟! يعني: أرضي التي تقام فيها العبادة، فتكون الإضافة تشريفاً، ومنه أيضاً (ناقة الله) فإن إضافة الناقة إلى الله عز وجل إضافة تشريف، وكذلك قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء:1] ، فالإضافة هنا إضافة تشريف، فهذه إضافة الأعيان القائمة بذاتها.
أما إضافة الأوصاف، أي: المعاني التي لا تقوم بذاتها، بل لا تقوم إلا بغيرها، فإن أضيفت إلى الله عز وجل فهي إضافة أوصاف، ومن ذلك الكلام، فإن الكلام لا يقوم بذاته، ولابد أن يقوم بشيء، فلما أضافه إليه سبحانه وتعالى دل على أنه صفته، وسيأتي تقرير هذا إن شاء الله تعالى في كلام الشيخ.
والمهم في ذلك أن الشيخ رحمه الله استدل على أن الكلام صفة من صفات الله عز وجل بإضافة الله عز وجل الكلام إليه في قوله: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة:6] ، وكذلك: {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ} [البقرة:75] ، وكذلك: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ} [الفتح:15] ، وكذلك: {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} [الكهف:27] ، كل هذا يدل على أن القرآن كلام الله سبحانه وتعالى.
وكذلك استدل على أنه كلامه بأنه قرآنه، والقرآن هو المقروء، والمقروء لا يكون إلا بلفظ، ولا يكون إلا كلاماً: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [النمل:76] ، فالقراءة لا تكون إلا بكلام.
وكذلك استدل على أن القرآن كلامه سبحانه وتعالى بإنزاله، فكل آية أخبر الله سبحانه وتعالى فيها أنه أنزل الكتاب أو أنزل القرآن فإنه يدل على أنه كلامه سبحانه وتعالى من عنده، كقوله: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ} [الأنعام:92] ، وقوله: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ} [الحشر:21] ، وقوله: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ * قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} [النحل:101-102] ، كل هذا يدل على أنه كلام رب العالمين سبحانه وتعالى.
وسيأتي تفصيل عقيدة أهل السنة والجماعة في القرآن وبيان بطلان عقائد المنحرفين في ذلك في كلام الشيخ رحمه الله في الفصول القادمة.