يقول المصنف رحمه الله تعالى: [والإجماع هو الأصل الثالث الذي يعتمد عليه في العلم والدين].
الإجماع موضوع متعلق بأصول الفقه ويمكن أن يراجع في كتب أصول الفقه، وهم يزنون بهذه الأصول الثلاثة جميع ما عليه الناس من أقوال وأعمال باطنة أو ظاهرة.
فإذا أردتم أن تزنوا فكراً أو عقيدة أو منهجاً، فإن الميزان هو القرآن والسنة، وإجماع الصحابة.
والدليل على أن إجماع الصحابة وسنتهم ومنهاجهم وطريقتهم معتبرة قول الله سبحانه وتعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء:115] وهذا يدل على أن سبيل المؤمنين معتبر.
وأما من السنة: فقوله: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تجتمع أمتي على ضلالة) وهذا الحديث حسنه الشيخ الألباني في تعليقه على كتاب السنة لـ ابن أبي عاصم رحمهم الله جميعاً.
ثم ضبط المصنف الإجماع؛ لأنه نقلت كلمة عن الإمام أحمد وهي قوله: من ادعى الإجماع فقد كذب، وما يدريه لعل الناس اختلفوا.
وهذه الكلمة ليست على إطلاقها، بمعنى: أنه لا يوجد إجماع أبداً، وإنما المقصود: النهي عن التوسع فيه لعدم وجود المخالف عند الشخص نفسه، أي: أنك لا تجد مخالفاً فتقول: أجمع على ذلك المسلمون، فهذا خطأ.
ولهذا أراد ابن تيمية رحمه الله تعالى أن يضبط الإجماع، فقال: [والإجماع الذي ينضبط هو ما كان عليه السلف الصالح - يعني: الصحابة وأصحاب القرون الثلاثة الأولى المفضلة أي: التابعين وأتباعهم فقط- إذ بعدهم كثر الخلاف وانتشر في الأمة] فما يدري الإنسان لعل عالماً يكون مخالفاً لما عليه الآخرون.
والإجماع ما زال سارياً في الأمور العصرية، فمثلاً: بناء الدور الثاني في المسعى، فقد أجمع أهل العلم على جواز السعي في الدور الثاني ولم يخالف في هذا إلا عالم واحد وهو الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى، وهكذا نجد نماذج معاصرة يمكن أن يصح فيها الإجماع خصوصاً مع وجود الاتصال والمواصلات في هذا الزمان، ولهذا تكونت المجامع الفقهية منها: المجمع الفقهي الإسلامي الموجود في منظمة المؤتمر الإسلامي، ومجمع الفقه الإسلامي الموجود في رابطة العالم الإسلامي، وهذه المجامع أقل ما يقال فيها: إنها تحكي اجتهاداً جماعياً، والاجتهاد الجماعي لا شك أنه أفضل من الاجتهاد الفردي.