يقول: [ويقبلون ما جاء به الكتاب والسنة والإجماع من فضائلهم].
وقد سبق أن أشرنا إلى أن أهل العلم رووا فضائلهم في الصحيحين والسنن، وجعلها بعضهم من العقيدة كما فعل الإمام ابن ماجة القزويني رحمه الله تعالى في سننه المعروفة بسنن ابن ماجة حيث جعلها في كتاب السنة؛ لأن علاقة فضائل الصحابة بالعقيدة علاقة قوية.
يقول: [ويقبلون ما جاء به الكتاب والسنة والإجماع من فضائلهم ومراتبهم، ويفضلون من أنفق من قبل الفتح -وهو صلح الحديبية- وقاتل على من أنفق من بعد وقاتل].
لا شك أن الصحابة ليسوا على مرتبة واحدة في الفضل، وإنما هم على مراتب، فمن أسلم قبل صلح الحديبية أفضل ممن أسلم بعد صلح الحديبية.
الدليل على هذا: قول الله عز وجل: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [الحديد:10].
هذه الآية فيها تقرير واضح لفضل من أنفق من قبل الفتح وقاتل على من أنفق من بعد الفتح وقاتل.
والدليل على أن الفتح هو صلح الحديبية: قول الله عز وجل: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح:27].
وقد أنزل الله عز وجل في هذه الحادثة -صلح الحديبية- سورة كاملة وهي سورة الفتح وبدأها بقوله: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح:1] فسمي صلح الحديبية فتحاً.
وقد يقول قائل: كيف يسمى صلح الحديبية فتحاً مع أنه صلح اتفاق مع الكفار على شروط، وقد رأى بعض الصحابة رضوان الله عليهم أن في هذه الشروط تقليلاً لهيبة المسلمين، وتعظيماً لقوة الكافرين، ومع هذا سمي فتحاً؟ نقول: كان ذلك فتحاً بإذن الله عز وجل وبأمره، وذلك أن هذه الفترة التي عاهد النبي صلى الله عليه وسلم فيها الكفار كانت من أعظم الفترات التي أسلم فيها عدد كبير من الصحابة رضوان الله عليهم، فقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم وهو في صلح الحديبية بألف وأربعمائة وحصل الصلح، ودخل مكة فاتحاً بعشرة آلاف، وهذا يدل على الفتح العظيم الذي حصل بهذا الصلح.
إذاً: الصحابة الذين أسلموا قبل صلح الحديبية أفضل من الصحابة الذين أسلموا بعد صلح الحديبية.
يقول: [ويقدمون المهاجرين على الأنصار].
لأن المهاجرين أسلموا قبل الأنصار، ولأنهم جمعوا بين خصلتي الهجرة والنصرة، أما الأنصار فلهم خصلة النصرة.
يقول: [ويؤمنون بأن الله قال لأهل بدر - وكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر -: (اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)].
هذا حديث رواه البخاري ورواه مسلم في قصة حاطب بن أبي بلتعة عندما كتب رسالة إلى أهل مكة يخبرهم فيها بأن النبي صلى الله عليه وسلم قادم إليهم، فجاء الوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فأرسل علياً بن أبي طالب ومعه آخر وقال: ستجدون امرأة في مكان كذا وكذا معها كتاب من حاطب إلى أهل مكة فجاءوا إلى المكان المعين، فوجدوا هذه المرأة وطلبوا منها الكتاب فرفضت، فهددها علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنها إن لم تأت بالكتاب فإنه سيعريها من ملابسها، فلما رأت منه العزم أخرجت الكتاب.
فلما جيء بالكتاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال عمر بن الخطاب: دعني أضرب عنق هذا المنافق، وهذا يدل على أن موالاة الكفار من النفاق، ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم في كون هذا العمل من النفاق، لكنه سأل المعين وهو حاطب - قائلاً: ما حملك على ذلك؟! فتأول حاطب وهذا يدل على أن الإنسان إذا تلبس بالكفر فإنه لا يلزم أن يكون كافراً مباشرة، ولا بد من توفر الشروط وانتفاء الموانع، ومن ذلك: التأول؛ فإن حاطباً تأول، حيث كان له مال في مكة، وليس له أحد يحمي ماله في مكة، وخشي أن يتلاعب به الكفار، فقال: يا رسول الله! إن لأصحابك من يحمي أموالهم في مكة، وليس لي أحد يحمي مالي في مكة، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ عمر: (وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر -وحاطب منهم- فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم).
وقد عد ابن سعد في الطبقات الكبرى أسماء الثلاثمائة والأربعة عشر في كتابه؛ لأنه أفرد للبدريين طبقة خاصة لفضلهم.
أما قوله: (اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)، فليس فيه دعوة إلى فعل المعاصي، ويمكن مراجعة كلام ابن القيم رحمه الله في الفوائد لمعرفة هذه القضية.
يقول: [وبأنه لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة].
هذه البيعة حصلت في صلح الحديبية؛ فإن الصح