Q ما هي القاعدة في مثل هذه الأحاديث، وما هو تفسيرها: (وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبد مؤمن يكره الموت وأكره مساءته)، رواه ابن أبي عاصم في السنة، وقال شيخ الإسلام في الفتاوى: رواه البخاري.
وحديث: (يسب ابن آدم الدهر وأنا الدهر)؟ وهل هي مثل بقية أحاديث الصفات؟ وهل يستخرج منها أسماء الله تعالى؟
صلى الله عليه وسلم أما الحديث الأول، وهو قوله: (ما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبد مؤمن).
فليس المقصود بالتردد هنا التردد في الإرادة، وإنما المقصود به كما فسره في الحديث: أنه يكره الموت وأكره مساءته.
يعني: أن صورة الحال هي صورة تردد، وإلا فإن الله سبحانه وتعالى لا يوصف بالتردد الذي يوصف به العباد، وهو عدم الإقدام على الفعل للجهل به وبعاقبته.
فهذا لا يمكن أن ينسب لله عز وجل.
وإنما المقصود بالتردد هو: أن هذا العبد يحبه الله، وهذا العبد يكره الموت، والله عز وجل إذا أحب عبداً كره ما يكره.
ولكن سابق قضاء الله عز وجل هو أن يموت.
ففيها أمران: سابق قضاء الله عز وجل.
والأمر الثاني: أن الله يكره ما يكرهه العبد.
فهذه هي صورة التردد، ثم الله عز وجل يمضي قضائه السابق.
فليس التردد الوارد في الحديث هو التردد الذي يحصل عند الناس؛ لأن الإنسان في بعض الأحيان مثلاً يتردد في شراء الشيء أو تركه؛ للجهل بقيمته، والله عز وجل عالم بكل شيء سبحانه وتعالى.
وحينئذ فالقاعدة في هذا الموضوع هي: أن ترد الأحاديث المشكلة إلى الأحاديث المحكمة الواضحة.
وثبوت العلم لله عز وجل واضح لا إشكال فيه، وثبوت إرادته وفعله لا إشكال فيه أيضاً.
فإذا ورد حديث ظاهره أنه مناقض لصفة العلم فلا بد أن يفسر بما يوافق هذه الصفة، وأن يفهم من السياق العام في هذا النص.
فمثلاً: هذا الحديث واضح مشروح في نفس الحديث.
قال فيه: (يكره الموت وأنا أكره مساءته).
فهو مفسر في هذا الحديث.
ومثله: حديث الدهر، قال: (يسب ابن آدم الدهر، وأنا الدهر أقلب الليل والنهار).
ففسر معنى قوله: (وأنا الدهر)، يعني: وأنا خالق الدهر؛ لأن الله ليس هو الدهر قطعاً.
وإنما الدهر الليل والنهار الذي نعيش فيه.
ولا يقول عاقل عرف الآيات والأحاديث الواردة في تميز الله سبحانه وتعالى عن خلقه، وما ثبت له من الصفات والأسماء العلى: إن الله هو نفسه حقيقة الدهر.
وإذا تصورنا أن هذا الحديث يدل على هذا المعنى فإننا نفسره على تقدير حذف مضاف، وهذا معتاد في لغة العرب، ومن الأمثلة على ذلك: قول الله عز وجل: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا} [يوسف:82]، والجمال لا تسأل، فلا يأتي شخص يترك الناس ويسأل الجمال ويقول: هذا هو المفهوم من ظاهر النص؛ لأن العير المقصود به القافلة التي يوجد فيها ناس يوجهونها.
وهذا هو المقصود.
والقرية هي التي يوجد فيها أشخاص يعيشون فيها، ونحو ذلك.
وهذا يدل عليه السياق.
قال: (وأنا الدهر أقلب الليل والنهار) يعني: وأنا خالق الدهر؛ يعني: كيف يسب الدهر وأنا خالقه؟ فلا يصح أن يسبه أحد وأنا خالقه.
وقوله: (أقلب الليل والنهار)، شرح لقوله: (وأنا الدهر).
فمثل هذه النصوص يرجع فيها إلى كلام أهل العلم ولا يستعجل في تفسيرها.
وفي كتاب القواعد المثلى للشيخ محمد بن صالح العثيمين، قاعدة في هذا الموضوع وضحها وذكر أمثلة كثيرة عليها، وبينها بياناً شافياً، فجزاه الله خيراً.