وقد اختلف أهل العلم في رؤية الكفار والمنافقين لله عز وجل يوم القيامة، وأما في الجنة فلا يمكن أن يروه؛ لأنه لا يدخل الجنة كافر ولا منافق.
فالجنة متفق على أنه لا يراه فيها إلا المؤمنون وأما في عرصات يوم القيامة في المحشر فقد اختلف أهل العلم: هل الكفار والمنافقون يرون الله عز وجل يوم القيامة أو لا؟ وأما المؤمنون فإنه متفق عليه بين أهل السنة أيضاً أنهم يرونه يوم القيامة، وهذا الخلاف هو خلاف فقهي أيضاً، كمسألة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه في الدنيا، وهو خلاف لا يترتب عليه قطيعة ولا معاداة ولا خلاف شديد.
وقد اختلف أهل البحرين في زمن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مسألة رؤية الكفار لربهم يوم القيامة.
واختلفوا فيها اختلافاً شديداً وصارت بينهم قطيعة وبغضاء، حتى إنهم كادوا يقتتلون بالسيوف، فأرسلوا إلى شيخ الإسلام ابن تيمية يستفتونه في ذلك؟ فكتب لهم رسالة فيها، وهي مطبوعة ضمن مجموع فتاوى شيخ الإسلام التي جمعها ابن قاسم في المجلد السادس، بعنوان: رسالة إلى أهل البحرين في رؤية الكفار لربهم يوم القيامة.
وقد تحدث شيخ الإسلام رحمه الله في هذه الرسالة عن كيفية التعامل مع الخلافات؟ وقال رحمه الله: إن الخلافات التي تحصل في مسائل الدين تنقسم إلى قسمين: * خلافات يترتب عليها الكفر أو البدعة وهذه هي الخلافات التي يكون فيها حرب بين أهل السنة وأهل البدعة، ونحن نتكلم على الجهمية والمعتزلة والأشاعرة والصوفية من هذا الباب.
وخلافات يحتملها الاجتهاد، مثل الخلاف في المسائل الفقهية، فالعلماء كما نلاحظ يختلفون في الإفتاء.
ومن الخلاف الذي يحتمل الاجتهاد: الخلاف في هذه المسائل، وكتب لهم رسالة علمهم فيها كيفية التأدب مع هذه المسائل؟ وقال: إن هذه المسائل من فروع المسائل، التي لا يترتب عليها كفر ولا بدعة، وقد اختلف فيها علماء السنة، ورأى بعضهم أن الكفار قد يرون الله يوم القيامة، وذكر شيخ الإسلام في هذه الرسالة الأمور التي اتفق عليها المختلفون، والأمور التي اختلفوا فيها.
فالمختلفون في رؤية الكفار لله عز وجل يوم القيامة ونفيها متفقون على عدة أمور: * أولاً: اتفقوا على أن هذه الرؤية ليست رؤية لذة ونعيم وراحة وطمأنينة، بل إنهم يقولون: إنها رؤية عذاب؛ لأن الله سبحانه وتعالى يريهم نفسه ثم يحتجب عنهم، وفي ذلك أشد أنواع العذاب، هكذا قالوا.
* ثانياً: اتفقوا أيضاً على أنهم بعد الانتهاء من الحشر لا يرون الله عز وجل، وإنما يكونون من أهل الجحيم، والعياذ بالله.
واختلفوا هل يرونه بأعينهم في الحشر، حتى ولو كان في هذا عذاب لهم؟ واختلافهم مبني على فهم الأدلة، فقد ورد في حديث أبي سعيد الخدري وأبي هريرة ما ظاهره أن الله عز وجل يأتي الناس يوم القيامة فيرونه، يعني: يراه الكفار والمنافقون والمؤمنون، وهذه النصوص التي ظاهرها أنهم يرونه أشكلت على الذين أثبتوا رؤية الكفار لله عز وجل يوم القيامة، وبناءً على هذا قلنا: إن هذه المسألة ليست من المسائل التي يعنّف فيها المخالف، ولا من المسائل التي تعتبر من أصول الدين.
ومثل هذه المسائل: كرؤية الله عز وجل بالقلب، أو كرؤية الله عز وجل في الدنيا لا تعرض لعامة الناس الذين لا يفقهون العلم ولا يدرون ما هو، وإنما تعرض لطلاب العلم الذين يدرسون العلم ويتفهمون معانيه، وإذا أشكل على أحدهم شيء سأل؛ لأن الله عز وجل يقول: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43]، فهذه المسائل لا تعرض للعامة، بحيث أنها تضطرهم إلى الإنكار وإلى التشنيع.
والصحيح في مسألة رؤية الكفار لربهم يوم القيامة: أنهم لا يرون الله يوم القيامة، ويدل على ذلك قول الله عز وجل: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15].
ومما يدل على ذلك أيضاً: أن الرؤية سماها الله عز وجل زيادة ومزيداً، فقال: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26].
وقال: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق:35]، فلو أن الكفار والمنافقين يرون الله عز وجل يوم القيامة لما كان لاختصاص المؤمنين بالمزيد معنى، فلما اختص المؤمنين بالمزيد دل هذا على أنهم لا يرونه، وأوضح ما يدل على أنهم لا يرونه عموم قول الله عز وجل: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15].