والأدلة التي تثبت علو الله على خلقه أنواع، وكل نوع يشتمل على مجموعة من الأدلة، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في (الصواعق المرسلة) أكثر من ثلاثين نوعاً من الأنواع التي تدل على إثبات علو الله عز وجل على خلقه، ومن ذلك الاستواء، فإن الآيات الواردة في الاستواء والأحاديث الواردة في الاستواء تدل على إثبات علو الله على خلقه، وكذلك النزول والمجيء والإتيان، ونزول الملائكة ونزول القرآن، وصعود الملائكة وصعود الأعمال الصالحة إلى الله، وكذلك الإسراء والمعراج، وغيرها من النصوص الكثيرة الدالة على إثبات علو الله عز وجل، مثل حديث الجارية، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله معاوية بن الحكم عن هذه الجارية بعد أن لطمها: أيعتقها؟ فقال لها: (أين الله؟ قالت: في السماء، وأشارت إلى السماء، قال: من أنا؟ قالت: رسول الله، قال: أعتقها؛ فإنها مؤمنة)، وفي أكبر مجمع وأكبر مكان اجتمع فيه أهل الإسلام في زمن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم اشهد! ويشير إلى السماء وينكتها إليهم) وفي هذا إثبات صفة العلو عن طريق الفعل.
الشاهد: أن إثبات صفة العلو لله عز وجل موجود حتى في العقل والفطرة، أما الفطرة فإن الإنسان عندما يدعو الله عز وجل يجد في قلبه ضرورة تتجه إلى العلو، وهذا دليل فطري، وقد كان إمام الحرمين الجويني يدرس طلابه في المسجد نفي العلو عن الله عز وجل ويقول: إنه يلزم منه الجهة، فجاءه أحد الحضور وهو الهمداني رحمه الله، فقال: دع ما قلت، أخبرني عن الضرورة التي يجدها الإنسان في قلبه، فكلما دعا الله عز وجل أحد العارفين وجد في نفسه ضرورة ملحة تتجه نحو العلو، فصار الجويني يضرب على رأسه ويقول: حيرني الهمداني، حيرني الهمداني.
ويقول ابن تيمية رحمه الله: جاءني رجل من نفاة العلو، وكانت له حاجة عندي، فكنت أماطله حتى ضاق صدره فلما ضاق صدره ونظر إلى السماء، فقلت له: إلى أين تنظر وأنت لا تثبت أن في السماء إلهاً وإنما هو في كل مكان أو لا هو خارج العالم ولا هو داخل العالم؟ فكان هذا من أعظم الأسباب التي جعلته يتراجع عن هذه العقيدة؛ لأنه شعر أنها تخالف الفطرة التي خلقه الله عز وجل عليها.
وقد ذكر الإمام أحمد رحمه الله في الرد على الزنادقة والجهمية دليلاً عقلياً على إثبات علو الله عز وجل؛ فإنه قال لخصومه: الله عز وجل عندما خلق العالم إما أنه خارج العالم أو أنه خلق العالم ودخل فيه، فإن قلتم: دخل في العالم، فقد كفرتم؛ لأنكم جعلتم الله عز وجل داخلاً في الأماكن القذرة في كل مكان، وإن قلتم: إنه لا داخل العالم ولا خارج العالم، فقد ضللتم؛ لأنه مخالف للعقل، فإذا كان لا داخل العالم ولا خارج العالم، فأين هو؟! وإن قلتم: خارج العالم، وصلتم إلى الإثبات، وهو إثبات العلو لله عز وجل، وهذا لا شك أنه دليل عقلي دقيق في إثبات علو الله سبحانه وتعالى على خلقه.