الصفات الخبرية يثبتها أهل السنة والجماعة كسائر الصفات الثابتة لله سبحانه وتعالى، وأول من أنكر ثبوت هذه الصفات هو الجعد بن درهم كما سبقت الإشارة إليه في الكلام على الصفات الاختيارية.
فـ الجعد بن درهم كان ينفي جميع الصفات عن الله سبحانه وتعالى، ويقول: لا يقوم بالله عز وجل صفة من الصفات، وتابعه على ذلك الجهم بن صفوان وبشر بن غياث المريسي والمعتزلة أيضاً، فالمعتزلة تابعوا الجهمية في هذا الأمر.
أما الأشاعرة فقد سبق أن بينت أن أبا الحسن الأشعري كان من المعتزلة ثم ترك الاعتزال بعد أربعين سنة، واتجه إلى مذهب ابن كلاب، ثم ترك مذهب ابن كلاب في آخر أمره واتجه إلى مذهب السلف الصالح رضوان الله عليهم، أما أتباعه فبعضهم بقي على مذهبه عندما كان كلابياً، والبعض الآخر من المتأخرين غلا حتى صار قريباً من المعتزلة إلى حد كبير.
فكان أبو الحسن الأشعري مثل الكلابية، وكانوا لا ينفون الصفات الخبرية عن الله عز وجل، وكان الصراع بينهم وبين المعتزلة في موضوع الصفات الخبرية قوياً، فـ أبو الحسن الأشعري وأبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني والقلانسي وغيرهم من الكلابية أتباع أبي الحسن كانوا يثبتون الصفات الخبرية، فيثبتون أن لله وجهاً ويدين وعينين، ونحو ذلك من الصفات التي سيأتي الإشارة إليها بإذن الله تعالى.
وأول من نفى الصفات الخبرية في مذهب أبي الحسن الأشعري هو إمام الحرمين الجويني، فإنه اتجه بالمذهب الأشعري نحو الاعتزال بقوة، فنفى الصفات الخبرية عن الله عز وجل، فقال: لا نثبت لله وجهاً ولا يدين ولا عينين، وأولها فقال: الوجه هو الثواب أو الذات، واليدان: النعمة أو القدرة، والعينان: الإحاطة أو النظر أو البصر، وحجته في النفي هي حجة المعتزلة نفسها، وهي أن إثبات هذه الصفات يستلزم إثبات الأبعاض في الله عز وجل والأجزاء والتركيب.
وقد سبق أن أشرنا إلى أن هذه الألفاظ اصطلاحات اتفق عليها هؤلاء المتكلمون، وأنه لا بد على صاحب العقيدة السلفية الصحيحة أن لا ينفيها مطلقاً ولا يثبتها مطلقاً؛ لأن هذه الألفاظ مشتملة على شيء من الحق والباطل، وهكذا تكون البدعة.
فإن البدعة لا يمكن أن تكون باطلاً محضاً؛ لأنها إذا كانت باطلاً محضاً لا يقبلها أحد، ولا يمكن أن تكون حقاً محضاً؛ لأنها لو كانت حقاً محضاً ما كانت بدعة، لكنها خلط ولبس للحق بالباطل، كما قال الله عز وجل عن بني إسرائيل: {لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [آل عمران:71]، فالبدعة خلط ولبس بين الحق والباطل.
وهكذا ألفاظ هؤلاء المتكلمين جميعاً هي مشتملة على حق وباطل، فلا يصح للإنسان أن ينفيها مطلقاً ولا أن يثبتها مطلقاً، بل لا بد من الاستفصال ومعرفة معاني ما يقول، فإذا قال مثلاً: يجب أن ينفي عن الله عز وجل الأجزاء والأبعاض، فلا بد أن نسأله ما القصد بالأجزاء والأبعاض؟ فإذا كان يقصد أن الله عز وجل مركب من أجزاء وأبعاض قد ركبه غيره، أو أنه مركب ينفصل بعضه عن بعض، فهذا معنى باطل لا يقوله أحد ولا يقره أهل السنة.
وإذا سمى هذه الصفات وهي: الوجه واليدان والعينان أبعاضاً فنثبت الوجه واليدين والعينين لله عز وجل ولا نسميها أبعاضاً؛ لأن هذه تسمية مبتدعة، وهكذا يستطيع الإنسان أن يصل إلى الحق مع إجابته عن كلام هؤلاء المبتدعة.
وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله رد على قانونهم الكلي الذي هو تعارض العقل مع النقل في كتابه العظيم: درء تعارض العقل والنقل.
ومن الوجوه التي رد عليهم هي: أن هؤلاء المبتدعة يردون النصوص الشرعية بمعتقدات يعتقدونها، وليست هي حقيقة ما في العقل، فهم يصطلحون اصطلاحات، ويأتون بمعقولات ثم يسمونها قواطع عقلية لا تقبل النقض، ثم يعارضون بها النصوص الشرعية ويردونها، هكذا حالهم والعياذ بالله.