جاء إثبات صفة البصر بأكثر من طريق: الطريق الأول: إثبات صفة البصر مباشرةً كما هو في الآتين معنا.
والثاني: إثبات الرؤية لله عز وجل، كما قال الله عز وجل: {قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:46].
وكقوله تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [العلق:14].
وكقوله تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة:105].
فالرؤية هنا بمعنى: البصر.
وكذلك حديث جبريل الطويل عندما ذكر أركان الإيمان وأركان الإسلام وجاء إلى الإحسان فقال: (أن تعبد الله كأنك تراه؛ فإن لم تكن تراه فإنه يراك).
وكذلك ثبت أن الله عز وجل ينظر، يدل لهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينظر إلى أجسامكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم).
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا ينظر الله إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم).
فقوله: (لا ينظر إليهم) صفة منفية تدل على كمال الضد، وهو النظر في حال الرضا، وهذا استدلال بالمفهوم، هذا نوع من الاستدلال، ومعلوم أن الاستدلال تارة يكون بالمنطوق، يعني: بظاهر اللفظ، مثل: {إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ} [إبراهيم:39]، فمنطوق الآية: أن الله عز وجل يسمع دعاء الداعي، ويجيب دعاءهم.
وهناك نوع آخر من الاستدلال وهو الاستدلال بالمفهوم، والاستدلال بالمفهوم في باب العقائد استدلال صحيح، وقد عمل به الأئمة، فـ الشافعي رحمه الله استدل على إثبات رؤية الله عز وجل بالمفهوم عندما نفى الله عز وجل عن الكفار الرؤية في سورة المطففين، دل هذا بالمفهوم على أنهم يرونه، قال الله: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15].
استدل الشافعي رحمه الله بهذه الآية على أنهم لما حجبوا في حال الوعيد والكراهة لهم، دل ذلك على أنهم يرونه في حال الرضا عنهم ومحبته لهم.