وجوب الإيمان والتصديق بأخبار الصفات دون توقف على قيام الدليل العقلي على الصفة

أحب أن أنقل كلاماً لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من كتابه العظيم: شرح العقيدة الأصفهانية، وهو كتاب شرح فيه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كتاباً من كتب الأشاعرة، وقد تستغربون كيف يشرح شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كتاباً من كتب الأشاعرة، لكن أقول: إن الشروح تنقسم إلى قسمين: شروح يقصد منها توضيح مسائل الكتاب، والاستدلال له، وبيان المسائل التي تنطوي تحته.

وهناك نوع من الشروح وهو: الشروح النقدية، وهو أن يأخذ كتاباً من كتب أهل البدع فيشرحها لينقد ما فيها من الأخطاء والبدع، ولهذا شرح أيضاً شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كتاباً آخر من كتب أهل البدع، وهو: المحصل للرازي، وهو محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين، وهذا الكتاب غير موجود الآن، لكنه شرحه شرحاً نقدياً، ومن الشروح النقدية مثلاً في أصول الفقه: أن أبا الوليد الباجي رحمه الله شرح كتاب الرازي المحصول فانتقده تقريباً في كل شيء، حتى في عنوان الكتاب، فمن المفروض أن يقول: المحصول إلى؛ لأنه يحتاج إلى تعدية بحرف الجر.

فكتاب العقيدة الأصفهانية هو للشيخ شمس الدين محمد بن الأصفهاني، وقد ألف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هذا الكتاب وهو في الديار المصرية في سنة سبعمائة واثنتي عشرة وهذا الكلام هو فيما يتعلق بالاستدلال العقلي.

يقول رحمه الله تعالى: [ومما يوضح ذلك: أن وجوب تصديق كل مسلم بما أخبر الله به ورسوله من صفاته ليس موقوفاً على أن يقوم عليه دليل عقلي على تلك الصفة بعينها، فإنه مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام: أن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أخبرنا بشيء من صفات الله تعالى وجب علينا التصديق به، وإن لم نعلم ثبوته بعقولنا، ومن لم يقر بما جاء به الرسول حتى يعلمه بعقله فقد أشبه الذين قال الله عنهم: {قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام:124].

ومن سلك هذا السبيل فهو في الحقيقة ليس مؤمناً بالرسول، ولا متلقياً عنه الأخبار بشأن الربوبية، ولا فرق عنده بين أن يخبر الرسول بشيء من ذلك، أو لم يخبر به، فإن ما أخبر به إذا لم يعلمه بعقله لا يصدق به، بل يتأوله أو يفوضه، وما لم يخبر إن علمه بعقله آمن به، وإلا فلا فرق عند من سلك هذا السبيل بين وجود الرسول وإخباره، وبين عدم الرسول وعدم إخباره، وكان ما يذكره من القرآن والحديث والإجماع في هذا الباب عديم الأثر عنده، وهذا قد صرح به أئمة هذا الطريق، يعني بهم: المشتغلين بعلم الكلام ونحوه].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015