ومعنى حكمة الله عز وجل وحقيقتها أنها تتضمن معنيين: المعنى الأول: حكمة تعود على الرب سبحانه وتعالى يحبها ويرضاها.
والثاني: حكمة تعود على العبد فيها منفعة له ونعمة يفرح بها، ويتلذذ بها، وينشرح صدره لها.
هذه هي الحكمة التي يثبتها أهل السنة، فالله عز وجل عندما خلق الخلق وشرع الشرائع والأوامر فإنه خلقهم لحكمة، وقبل أن يخلقهم علم هذه الحكمة، وخلق الخلق لها، وكذلك قبل أن يشرع الشرائع شرعها لحكمة سبحانه وتعالى، هذه الحكمة التي في المخلوقات والمأمورات تعود إلى الله عز وجل وعباده، فأما معنى عودها إلى الله عز وجل فمعناه: أنه خلقها سبحانه وتعالى، وهو يعلم المصلحة المترتبة عليه، وهو يحب ما أمر به سبحانه وتعالى، وله في خلقه أيضاً حكمة عظيمة؛ حتى المخلوقات التي ظاهرها أنها ضرر وشر، ولهذا جاء في الدعاء المعروف: (والشر ليس إليك)، ومعنى الشر ليس إليك مع وجود بعض المخلوقات الشريرة في الحياة: أن الشر لا يعود إلى فعل الله عز وجل، وإنما يعود إلى مفعوله، يعني مخلوقه، وهو سبحانه وتعالى ما خلق شيئاً من الخلق -حتى إبليس- إلا لحكمة عظيمة ومصلحة متعلقة بالخلق.
فمثلاً: إبليس خلقه الله سبحانه وتعالى ابتلاء واختباراً للناس حتى يرى سبحانه وتعالى من يصدق المرسلين، ويتبع كلامه سبحانه وتعالى، ويعصي عدوه، ويجاهده، ويصبر على هذا الجهاد، بل قد يترتب عليه أنه يموت في هذا السبيل، وهذه لا شك أنها من أعظم الحكم وأجل الغايات، بل فيها من ظهور أسماء الله عز وجل وصفاته الشيء الكثير.
ففيها مثلاً: ظهور صفة العفو والمغفرة للعباد المخطئين.
وفيها أيضاً: ظهور صفة التجاوز والمسامحة.
وأيضاً: ظهور صفة المعية الخاصة لعباده المؤمنين، فكل ما خلق الله عز وجل من خلق فإنه خلقه لحكمة تعود عليه من جهة، وتعود على الخلق من جهة أخرى.
ولهذا تحدث ابن القيم رحمه الله كثيراً في هذا الكتاب -شفاء العليل- عن هذه القضية، حتى المخلوقات الشريرة المعروفة فإنها لحكمة عظيمة وهدف كبير، وقد بينا طرفاً من هذه الحكمة من أكبر الشر وهو إبليس عليه لعنة الله، وأما المأمورات فليس فيها شر؛ لأن مأمورات الله عز وجل كلها مصالح ومنافع للعباد علمها من علمها، وجهلها من جهلها.
إذاً: حكمة الله عز وجل تكون في خلقه وأمره.