أما ما جاء من النهي عن التفضيل في قوله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا تفضلوا بين أنبياء الله) فهذا محمول عند أهل العلم بالتفضيل على وجه التعّصب الذي يتضمن تنقُّص الآخر، كما يبينه سبب الحديث الصحيح: أن يهوديا عرض سلعة له فأعطي بها شيئا كرهه فقال: لا والذي اصطفى موسى عليه السلام على البشر، فسمعه رجل من الأنصار فلطم وجهه، قال: تقول والذي اصطفى موسى عليه السلام على البشر ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أظهرنا، فذهب اليهودي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا أبا القاسم إن لي ذمة وعهدا، وقال: فلان لطم وجهي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لم لطمت وجهه»؟ قال: قال يا رسول الله: والذي اصطفى موسى عليه السلام على البشر، وأنت بين أظهرنا، قال: فغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى عرف الغضب في وجهه، ثم قال: «لا تفضلوا بين أنبياء الله، فإنه ينفخ في الصور، فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، قال: ثم ينفخ فيه أخرى فأكون أول من بعث فإذا موسى عليه السلام آخذ بالعرش فلا أدري أحوسب بصعقته يوم الطور أو بعث قبلي» (?).
فالنهي عن التفضيل على سبيل التعّصب، أو الذي يتضمن تنقّص الأنبياء، أما التفضيل لبيان الواقع ولاعتقاد الحق، وإنزال كل منزلته فهذا لا بد منه، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - نوه بفضله؛ لأنه لا يعلم إلا من جهته أو من القرآن، والله تعالى نص على التفاضل بين الأنبياء {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ} [البقرة: 253]