وأجيب عن استدلالات القائلين بعدم انتفاع الأموات بسعي الأحياء، أما الدعاء فمعلوم بالضرورة من دين الإسلام انتفاع الميت بالصلاة عليه، والمقصود من الصلاة على الميت هو الدعاء له، هذا ركنها الأعظم، وكذلك الدعاء لهم عند زيارة القبور (?)، وكذلك انتفاعهم بالصدقة كما تقدم (?)، فقولهم مردود بهذه النصوص.

وأما الآية: ((وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى)) [النجم: 39] فأجيب عنها بأجوبة، قال شارح الطحاوية ابن أبي العز: إن أصحها جوابان:

الأول: «أن الإنسان بسعيه وحسن عشرته اكتسب الأصدقاء، وأولد الأولاد، ونكح الأزواج، وأسدى الخير وتودد إلى الناس، فترحموا عليه، ودعوا له، وأهدوا له ثواب الطاعات، فكان ذلك أثر سعيه، بل دخول المسلم مع جملة المسلمين في عقد الإسلام من أعظم الأسباب في وصول نفع كل من المسلمين إلى صاحبه، في حياته وبعد مماته» (?).

وأظهر من هذا هو الجواب الثاني: وهو أن المنفي في الآية هو ملك الإنسان لسعي غيره، فالإنسان لا يملك إلا عمله، ((وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى)) [النجم: 39]، ((لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسَاً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ)) [البقرة: 286] فليس للإنسان إلا عمله، وليس له عمل غيره، ونفي استحقاق الإنسان لعمل غيره لا يستلزم نفي انتفاعه بعمل غيره إذا فعله عنه أو أهدى ثوابه له، كما يقال: ليس للإنسان إلا ماله، أما أموال الناس فليست له، ولا يلزم من نفي ملكه لمال غيره نفي الانتفاع به، فيمكن أن يهديه، أو أن يتصدق عليه، أو ينتفع به بوجه من الوجوه، فالانتفاع أعم من الملك، فلا يلزم من نفي الملك نفي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015