نفسه، وتقدم (?) أن كل نفي يوصف الله به؛ فلا بد أن يتضمن إثبات كمال، فلا يوصف تعالى بالنفي المحض الذي لا يتضمن ثبوت كمال؛ لأن النفي المحض ليس فيه مدح ولا كمال، فمما وصف الله به نفسه من النفي: أنه لا يُسأل عما يفعل، لا يتوجه إليه السؤال، وذلك لكمال حكمته، وليس هذا لقوته وقدرته وسلطانه، فمن كان معروفا بكمال الحكمة لا يقال: لِمَ فعلتَ كذا؟ ولِمَ كان منك كذا؟ لأنه حكيم، وأما العباد فإن أقوالهم وأفعالهم عرضة للنقص والخلل والعيب والانحراف فهم يُسألون عن أفعالهم في الدنيا بحكم الشرع، ويُسألون في الآخرة، قال تعالى: ((فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ)) [الحجر: 92 - 93]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه ما فَعلَ به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه) (?).
فالعباد يُسألون، أما الله تعالى فلا يُسأل، فلا يُقال: لِمَ فعلتَ؟ على وجه الاعتراض، أما السؤال لمزيد المعرفة فلا مانع منه كأن يقول الإنسان: ما الحكمة في كذا؟ لِمَ شرع الله كذا؟ ليعرف الحكمة لا على وجه الاعتراض على التشريع والتدبير.
والملائكة لم يكن سؤالهم لربهم عندما قال سبحانه وتعالى: ((إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ)) [البقرة: 30] على وجه الاعتراض على تدبير الله، إنما تحيروا في معرفة الحكمة في خلق هذا المخلوق الذي يكون منه ما ذُكر من الإفساد وسفك الدماء.